الاثنين، 23 يوليو 2018

تاريخ داعش : الأخطاء الشرعية.

أخطاء وقع فيها شرعيي داعش:

الخطأ الأول: المقارنة بين دولة العراق الإسلامية ودولة الرسول صلى الله عليه وسلم:

        عقد منظرو داعش مقارنةً بين دولة العراق الإسلامية التي أعلنوا عنها ودولة المدينة المنورة التي أسَّسها الرسول صلى الله عليه وسلم، فوجدوا أنَّ الأرض التي احتلوها في الأنبار، وغيرها من الأرض في العراق أوسع من دولة المدينة وقد اعتبروا هذا يبرِّر إعلان الدَّولة، وقد أشاروا إلى هذا المعنى مرتين، الأولى: أوردها كاتب "إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام" حيث قال في صفحة 26: "والمجاهدون في العراق اليوم يسيطرون على بقاع من الأرض هي بفضل الله أضعاف أضعاف البقعة التي أقام عليها النبي صلى الله عليه وسلم دولته الأولى، فالمناط الشرعي في قيام الدَّولة متحقق لوجود المعنى الذي قامت عليه الدَّولة الأولى، وهو التمكين على بقاع هي أكبر من تلك التي ترعرعت عليها الدَّولة الأولى". والثانية: أوردها د. أيمن الظواهري في حديثه عن قيام دولة العراق الإسلامية في أكثر من مناسبة. وقد أخطأ كلُّ من كاتب "إعلام الأنام"، وأيمن الظواهري في المقارنة بين "دولة العراق الإسلامية" و"دولة المدينة" التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تبيَّن الخطأ في عدم إدراكهم لواقع السلطة في الجزيرة العربية: فلم تكن السلطة متمثلة بدولة، كما هو في الدول التي تقع في جوار الجزيرة العربية، حيث كانت تقوم "دولة الفرس"، و"دولة الروم"، و"دولة الغساسنة"، و"دولة المناذرة" التي تمتلك جيوشا وشرطة ووزراء وأجهزة إدارية. فالسلطة في مكة المكرمة كانت مختلفة، وتمثلت بأشخاص ذوي نفوذ اجتماعي وعائلي، كأبي جهل وأبي لهب، وأبي طالب والوليد بن المغيرة، ولم تكن تملك شرطة أو جيشاً أو وزراء، لذلك عندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلَّم من مكَّة إلى المدينة لم يستطع أبو جهل أن يلاحق الرسول صلى الله عليه وسلَّم، لأنَّه لا يملك شرطةً أو جيشاً، ولأنَّ سلطته انتهت عند حدود مكَّة المكرمة.([1])
       وعندما أنشأ الرسول صلى الله عليه وسلم سلطةً في المدينة، كانت - على الأقل- مكافئة لسلطة أبي جهل في مكة المكرمة، إن لم تكن أرقى، وكانت مشروعاً لدولة واجهت بعد ذلك دولتي فارس والروم.
     لذلك عندما أجرى د. أيمن الظواهري، وكاتب "إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام" مقارنة بين "دولة العراق الإسلامية" و"دولة المدينة" فإنَّهما ركزا على عامل مساحة الدولتين، وأغفلا حقيقة التكافؤ بين سلطة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وسلطة أبي جهل في مكة، ليس هذا فحسب، بل كانت "دولة المدينة-  في البداية- مكافئة في سلطتها لكل الكيانات القائمة في الجزيرة العربية، مثل: السلطة في الطائف، واليمامة، وتيماء، وتبوك... إلخ.
      ويمكن أن تكون الصورة أكثر جلاءً عند المقارنة بين حالتي الرسولين الكريمين محمد صلى الله عليه وسلم والمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، فقد لوحق الرسولان عليهما السلام من قِبَل سلطتي مكة وروما، وعندما خرج الأول من مكَّة، وهاجر إلى المدينة أصبح في سلطة مكافئة لأبي جهل، أمَّا النبي عيسى عليه السلام، فعندما لاحقه قيصر روما أرسل شرطته وعسكره، فلاحقوه في كل فلسطين، ثمَّ قرروا اعتقاله، وكانوا يريدون أن يقتلوه، لكنَّ الله تعالى رفعه إليه، واختلاف النتائج في حالتي الرسولين الكريمين هي -من عوامل أخرى- في اختلاف نوع السلطتين اللتين لاحقتهما، وهذا ما لم يتنبه له الكاتبان: مسؤول الهيئة الشرعية، ود. أيمن الظواهري.([2])
        وممَّا يلاحظ ارتكاب شرعيي تنظيم الدولة ومتحدثيها لعدة أخطاء عندما يعقدون مقارنة تنظيم الدولة "داعش" بالدولة التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم أو قياسها عليها. ومنها هذه الأربعة: ([3])
1- التهوين الشديد من الأمن والاستقرار في وصف حالة المدينة النبوية، وما كانت تعانيه من جوع وصعوبات في الحياة؛ لدرجة أنه كاد أن يعصف بها في حديثه الطويل؛ وجميع ذلك لأجل قياس حالة المناطق التي يقيمون بها في حال الحرب والكرِّ والفر، على حال المدينة النبوية التي كانت تعاني الأمر نفسه كما يصور! بل إنَّ أبا حمزة المهاجر([4]) بالغ في التحقير من وضع المدينة، ووصف نفوذ اليهود والمنافقين بها بقوله: "تحالف المشركون وأهل الكتاب ضده – أي ضد الرسول عليه السلام- فقد كان اليهود في تجمعات سكنية منفصلة، وعلى أعلى درجاتٍ من التدريب،  والترتيب العسكري والإداري، بالإضافة إلى تجمع المنافقين، ومن انحاز إليهم من المشركين، وعلى رأسهم ابن سلول الطامع في ملك المدينة".([5]) وهذا الأمر غير صحيح؛ فقد كانت الغَلبة والملك والحكم للمسلمين، وكانوا الأظهر فيها، والأكثر قوة، وأكثر سكانًا، والأقوى تسليحًا؛ لذا خشي المنافقون من إظهار كفرهم ونفاقهم، وأعلنوا إسلامهم، وردَّ الله كيدهم وعداوتهم، وعقد المسلمون الصلح مع اليهود ذي البنود المشهورة، وما فيها من تقرير سلطة المسلمين على المدينة، بل إنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم حينما عاقب قبائل اليهود واحدة تلو الأخرى لم تستطع القبائل الأخرى أن تدفع عنها، وهذا ما يُبين حقيقة الحكم والسُّلطة.
     بل إنَّ وجود الحياة العلمية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها كان موجودًا ومستقراً في المدينة، وهو ما تفتقده التنظيمات المسلحة، التي لا يتكون منها مجتمع، فضلاً عن دولة، أمَّا مناطق سيطرة تنظيم (الدولة) في العراق مهما عظمت فهي سيطرة قلقة مؤقتة، لا تعدو أن تكون سيطرة بقوة السلاح، وتحت تهديد ضربات المحتل أرضًا وجوًا.. وهذا ما أثبته الزمن بعد عدة شهور، فعادت هذه المناطق لسيطرة الرافضة، فشتَّان بين الوضعين، شتان.
2- إنَّ هناك فرقًا بين حال الضيق والشدة التي تمرُّ بها الدول القائمة بالفعل، وبين الأخطار التي تواجهها جماعة مقاتلة في منطقة ما، فتلك دولة قائمة لها السلطة والسيادة، وهذه جماعة أعلنت أنَّها دولة، ومجرد إعلانها لا يعني أنَّها أصبحت كذلك!
3- إنَّه جعل مساحة المدينة النبوية وعدد سكانها وجيشها مقياسًا لإقامة الدول، ولا دليل على هذا الأمر! وتفسير إقامة الدولة بهذا الشكل لهو تسطيح خطير وساذج لمعنى الدولة الإسلامية، لا يدعمه دليل شرعي، ولا نظر عقلي، ولم يقل به أحد من أهل العلم قديمًا ولا حديثًا، بل فيه فتح لباب العبث بإطلاق اسم الدولة، أو الإمارة على مجموعة مبان، أو مناطق محدودة بمجرد الاستيلاء عليها، وهو ما حدث بالفعل في عدد من الدول الإسلامية على يد بعض الحركات الجهادية، وأيدها تنظيم (الدولة) في ذلك.
4- إنَّ المغالطة الأشدَّ في قياس الدولة النبوية التي قائدها النبي عليه الصلاة والسلام وهو النبي المعصوم الموعود بالنصر والتمكين، على تنظيم عسكري مقاتل، ليس له ذلك، هو قياس مع الفارق. فتنبَّه.
       وقد لخَّص عثمان بن أحمد التميمي في كتابه (إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام) الصادرة عن وزارة الهيئات الشرعية  في دولة العراق الإسلامية، بقوله: "إن الدولة التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحمل كل المواصفات التي ينظر لها على أنَّها من خصائص الدولة المعاصرة بكياناتها السياسية والإدارية والاقتصادية، فالدولة التي ينشدها الإسلام هي تلك التي تقيم الدِّيْن أولاً قبل أيِّ اعتبارٍ آخر، وعلى رأس ذلك تحكيم الشريعة، الذي يأخذ بعين الاعتبار مضامين الأحكام وغاياتها، والدولة التي يطلبها الشرع هي دولة مرتكزة على عقيدة التوحيد، منبثقة عنها، تحكم بمقتضى الشرع في السياسة والعلاقات الخارجية، كما تحكم بمقتضى الشرع في النظم والسياسات الداخلية".
       وبهذا يتبيَّن أنَّ التنظيم قد هدم كلَّ أركان الدولة الحقيقية، ولم يبق منها إلا (التوحيد، وتحكيم الشريعة)، والذي يمكن لأي عددٍ من الأشخاص في أي مكان في العالم إعلان نشوء دولةٍ به".([6])


[1]- مقال الخلافة رؤية شرعية: المفكر الشيخ غازي التوبة.
[2]- المصدر السابق.
[3]- نقاش هادئ حول فكر (دولة الإسلام في العراق والشام) (4) موقف تنظيم (الدولة) من إقامة الدولة: محتسب الشام، موقع نور سورية http://syrianoor.net/revto/8122.
[4]- أبو حمزة المهاجر: هو عبد المنعم عز الدين علي البدوي،  والمكنى أيضاً بـأبي أيوب المصري، وهو مصري الأصل، ولد بمحافظة سوهاج، انضم للجماعة الجهادية التي أسسها أيمن الظواهري عام 1982م، وعمل كمساعد شخصي للظواهري، وفي عام 1999م سافر إلى أفغانستان، والتحق بمعسكر الفاروق، تحت قيادة أسامه بن لادن.
[5]- بيان إعلان قيام "دولة العراق الإسلامية: منبر التوحيد والجهاد. المتحدث باسم "دولة العراق الإسلامية، وزارة الإعلام.
[6]- نقاش هادئ حول فكر (دولة الإسلام في العراق والشام) (4) موقف تنظيم (الدولة) من إقامة الدولة، مصدر سابق.

أ. د صالح حسين الرقب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق