الاثنين، 23 يوليو 2018

تاريخ داعش: الصراع بين أبي بكر البغدادي وزعيم جبهة النصرة أبي محمد الجولاني:






      قد أخاف الصعود السريع لجبهة النصرة كلَّاً من العقيد بكر حجي وأبي بكر البغدادي، لكون الملتحقين الجدد بـ"جبهة النصرة" لا يدينون بالولاء لدولة العراق، أو للخليفة البغدادي، هنا حثّ العقيد حجي([1]) الخليفة البغدادي على إعطاء أوامره للجولاني بأن يعلن عبر مقطع صوتي أنَّ "جبهة النصرة" تابعةُ رسمياً لدولة العراق بقيادة البغدادي. وقد وعد الجولاني بالتفكير في الأمر، لكن مضت أيام دون أن يًصدر شيئاً، فأرسل البغدادي له توبيخاً وتقريعاً، فجدَّد أبو محمد الجولاني الوعد بالتفكير واستشارة من حوله من المجاهدين وطلاب العلم، وبعث للبغدادي برسالة مفادها: إنَّ هذا الإعلان لا يصب في صالح الثورة السورية، مستنداً إلى رأي مجلس شورى الجبهة، هنا ثارت ثائرة البغدادي والعقيد حجي بكر، وزاد الطين بِلَّةً إدراج الولايات المتحدة "جبهة النصرة" في قائمة الإرهاب، ليُصبح الجولاني هو المطلوب الأول في سوريا، الأمر الذي زاد من منسوب القلق لدى البغدادي والعقيد من منافسة "جبهة النصرة" لـتنظيم "الدَّولة".
      كان أبو محمد الجولاني رجلاً سياسياً عقلانياً، فعمل محاولاً إمساك العصا من الوسط، لكنَّ خوف العقيد حجي، ومعه البغدادي، كان أكبر من تطمينات الجولاني، ممَّا دعا العقيد حجي بكر إلى التفكير بخطوات متقدمة لضمِّ "جبهة النصرة" إلى "الدَّولة"، لذا طلب أبو بكر البغدادي من الجولاني القيام بعمل عسكري ضد قيادات "الجيش الحر" أثناء أحد الاجتماعات في تركيا، مبرراً ذلك بأنَّه "استهداف لـ"صحوات المستقبل" العميلة لأمريكا قبل استفحالهم في الشام، كما طلب منه اغتيال الشيخ الدكتور المجاهد أبي السعيد العراقي([2]) أمير جيش المجاهدين في العراق الذي كان يقيم في دمشق قبيل الثورة، وإرسال السيارات المفخخة إلى اﻷراضي التركية، والضرب في قلب تركيا، بإرسال الانتحاريين إلى تركيا بسياراتهم، وأحزمتهم الناسفة للتفجير في تركيا.([3])
     عقد مجلس شورى جبهة النصرة اجتماعاً، صدر عنه رفض أوامر البغدادي بالإجماع، فاعتبر البغدادي والعقيد حجي ذلك خروجاً صريحاً عن الطاعة، على إثرها أرسل البغدادي خطاباً شديد اللهجة يُخيّر الجولاني بين أمرين: الأول: تنفيذ الأوامر، والثاني: حلّ جبهة النصرة، وتشكيل كيان جديد.
    طال انتظار البغدادي والعقيد حجي لردِّ أبي محمد الجولاني الذي لم يصل، بعدها بعث البغدادي رسولًا لمقابلة الجولاني، لكنَّ الأخير اعتذر عن اللقاء، ممَّا أشعر الخليفة البغدادي بالخطر، كون الجولاني بدأ يخرج عن السيطرة، بعدها أرسل البغدادي قيادات عراقية من تنظيم الدَّولة الإسلامية لمقابلة قيادات جبهة النصرة بهدف جسِّ نبضهم حول تحقيق الحلم بدولة إسلامية ممتدة من العراق إلى الشام بقيادة موحّدة، وبالفعل تمَّ تلمُّس ميولٍ مؤيِّدةٍ لدى هؤلاء، ومعظمهم من المهاجرين، لكنَّ "جبهة النصرة" سرعان ما زجَّت ببعضهم في السجن بتهمة إشاعة الفتنة والتكفير، وكان بينهم: أبو رتاج السوسي، وأبو عمر العبادي (تونسيان)، وأبو ضمضم الحسني وأبو الحجاج النواري (مغربيان)، وأبو بكر عمر القحطاني (سعودي)، علماً أنَّ الأخير عُيّن فيما بعد أميراً شرعياً لدولة البغدادي، وكان أوَّلَ المنشقين عنها عندما أعلن البغدادي حلَّ جبهة النصرة.
      هكذا عقد البغدادي العزم على إعلان الاندماج، واتّفق مجلس قيادة الدَّولة على ذهاب البغدادي نفسه إلى سوريا لإعطاء زخم أكبر لإعلان الدَّولة.
      قابل أبو بكر البغدادي القيادات المؤثرة في جبهة النصرة موحياً بأنَّ هدف الإعلان وحدة الصف الجهادي، وأرسل يطلب الجولاني لمقابلته، لكنَّ الأخير اعتذر لدواعٍ أمنية، عندها أرسل البغدادي إلى الجولاني يُعلمه بضرورة إصدار بيان باسمه -حرصاً على وحدة الصف- يتولى فيه إعلان حل جبهة النصرة، والتوحّد في كيان جديد، تحت مسمى "الدَّولة الإسلامية في العراق والشام"، وقد ردّ الجولاني على ذلك معتبراً إياه خطأً فادحاً يُمزّق الشعبية التي بنتها "جبهة النصرة" بين أهل سوريا. هنا اقترح العقيد بكر حجي على البغدادي إصدار بيان بحلِّ جبهة النصرة يكون موقعاً باسمه، وعدم إصدار بيان بعزل الجولاني، لعلّه يعود إلى رشده بعد الحل، وجرى التواصل مع قيادات جبهة النصرة لإخطارهم بموعد الإعلان، وتهيئتهم لمبايعة الخليفة البغدادي وجهاً لوجه كونه سيكون في سوريا، وبذلك استغل أبو بكر البغدادي كون الجولاني كان يحتجب عن كبار القياديين والشرعيين في الجبهة، وبالتالي فإنَّ ذلك سيُشكّل جاذباً للمجاهدين الذي سيحظون بفرصة لقاء من هو أكبر منه.([4])

 محاولة الدكتور أيمن الظواهري للتوسط بين المتنازعين:

      استدعى زعيم تنظيم القاعدة الدكتور الظواهري شخصيات جهادية من اليمن والسعودية للتوسط بين المتنازعين، عرف منهم الشيخ عبد الله محمد المحيسني، وأبو خالد السوري، والمستشار الشرعي أبو سليمان المهاجري من قادة تنظيم أحرار الشام، إلا أنَّ البغدادي تهرَّب من مقابلتهم. وهذا زاد الأمور سوءاً في ظل الخطر الداهم الذي يتهدد الجولاني، وبعد فشل اللَّجنة في حلِّ الخلاف والنزاع بين جبهة النصرة والبغدادي، أعلن كل طرف التمسك برأيه، عندها عمد زعيم جبهة النصرة الجولاني إلى إصدار بيان يُعلنُ فيه رفضَ حلِّ "جبهة النصرة"، واضعاً الأمر في عهدة زعيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري.([5])
      وقد طالب غير واحد من منظري السلفية الجهادية منهم "أبو بصير الطرطوسي" -عبد المنعم مصطفى حليمة- الدكتور الظواهري بإصدار بيان يبيَّن موقفه من الغلاة السفهاء – حسب قوله- وأن يعلن فيه فكَّ ارتباط مجاهدي الشام من أي مسمى حزبي محدَث يجلب الضرر للشام، ويؤول بمزيد من الأعداء على أهل الشام ومجاهديهم.([6])
     وبالفعل قام د. الظواهري بإلقاء خطاب بصوته يرفض فيه انضمام جبهة النصرة للدولة، كما رفض مشروعَ الحلِّ الذي قدَّمهُ جَمْعٌ من أهل العلم، بتشجيع من كلٍ من العقيد حجي بكر، والقيادي الشرعي السعودي أبي بكر القحطاني، وأمر زعيم تنظيم القاعدة د. أيمن الظواهري في تسجيل صوتي بإلغاء "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، والتي نشأت بفعل دمج "دولة العراق الإسلامية" و"جبهة النصرة"، ورفض أن تقاتل الدولة داخل سوريا، مؤكداً أن "جبهة النصرة" وحدها هي الفرع السوري لتنظيم القاعدة.
       لكنَّ أبا بكر البغدادي رفض بيان الظواهري وردَّ عليه بتسجيل تحت عنوان "باقية في العراق والشام"، قائلا: "لقد اعتدنا ومنذ عشر سنوات من الدماء والأشلاء أننا لا نخرج من محنة إلا ويبتلينا الله تعالى بمثلها، أو أشد منها، والدولة الإسلامية في العراق والشام باقية ما دام فينا عرق ينبض أو عين تطرف، باقية، ولن نساوم عليها، أو نتنازل عنها، حتى يظهرها الله، أو نهلك دونها".
      وجاء ردُّ الدَّولة الإسلامية في العراق والشام على بيان أيمن الظواهري مدوياً وصادماً لقيادة تنظيم القاعدة، بعنوان: "عذرا أمير القاعدة"، إذ طالبه البيان ببيعة الخليفة البغدادي، وممَّا قاله أبو محمد العدناني في البيان: إنَّ قيام محكمة مستقلة للتحكيم ما بين الفصائل في الشام، وهو ما دعا إليه الظواهري عدَّةَ مرَّات، أمرٌ مستحيلٌ في ظل الانقسام الحاصل، وحمَّلَ مسؤوليةَ هذا الانقسام للظواهري مباشرة، ثمَّ استطرد طالباً منه السعي أنْ يختارَ المسلمون رجلاً صالحاً...، فنبايعه خليفة..، ولا تبقى إمارة شرعية غيره". وأعلن أنَّ تنظيم القاعدة لم يعد تنظيماً للجهاد الحقيقي. وأنَّ قيادته انحرفت عن الطريق الصحيح، وأصبحت فأساً لتدمير المشروع الإسلامي.([7])   
      وهكذا ظهرت جماعة تنظيم الدَّولة في سوريا عام 2013م، فصار الاسم الجديد لها ولدولة العراق "الدَّولة الإسلامية في بلاد الشام والعراق"، وهي بعيدةٌ كلَّ البعد عن أهداف الثورة السورية، أو الثوار السوريين الذين ابتدأوا ثورتهم بثورة غير مسلحة، وانتهى بهم المطاف إلى تأسيس الجيش السوري الحر، وأصبحت المعارضةُ السورية معارضةً مسلحةً تواجه النظام السوري وقوات جيش الأسد، كما اضطرت لمواجهة تنظيم الدَّولة "داعش" الذي صار يُكفَّر جبهة النصرة والجيش الحر، وغيرها من قوى المعارضة العسكرية والسياسية السورية، وتستبيح دماءهم.



[1]- تبدو شخصية العقيد حجي بكر كمتنفذ والخليفة البغدادي هو من يسمع له ويطيع. وفي هذا بيان لدور العقيد حجي في دولة داعش والتي تثار حوله الشكوك في تحويلها إلى عصابة قتل وتكفير.
[2]- أبو السعيد العراقي: كان شيخ الخليفة البغدادي وأستاذه الذي درَّسه في الجامعة وفي الحلقات الخاصة، وعرفه عن قرب، وعرف شخصيته وصفاته وأطباعه وإمكانياته، فهو من أقدر الناس على الشهادة بحق الرجل إيجاباً أو سلباً. وأنَّ أبا السعيد البغدادي سبق تلميذه أبا بكر البغدادي إلى العمل الجهادي إبان الغزو الأمريكي، ومازال جيش المجاهدين بالنسبة للبغدادي ودولته المزعومة العدو اﻷول الذي ﻻ يتهاونون مع أي عنصر من عناصره يقع بين أيديهم. انظر: أسرار أكشفها لأول مرة: الدكتور حذيفة عزام، انظر صفحته على الفيس بوك. وجريدة أخبارك أون لاين(9(www.facebook.com/AkhbarakOnline.
[3]- أسرار أكشفها لأول مرة: الدكتور حذيفة عزام، انظر صفحته على الفيس بوك. وجريدة أخبارك أون لاين:( (www.facebook.com/AkhbarakOnline.


[4]- انظر عدة حلقات كواليس الثورة : داعش من الألف إلى الياء: عدة حلقات للباحث موسى الغنامي (http://justpaste.it/iwff).
[5]- انظر الدولة الإسلامية الجذور – التوحش- المستقبل: عبد الباري عطوان، دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى 2015م ص 62.
[6]- انظر بيان أصدره عبد المنعم مصطفى حليمة المشهور بأبي بصير الطرطوسي. بتاريخ 14/1/2014م.
[7]- انظر الدولة الإسلامية الجذور– التوحش- المستقبل: عبد الباري عطوان، دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى 2015م ص 62.


أ. د صالح حسين الرقب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق