الاثنين، 23 يوليو 2018

المرتكزات الفكرية العامة لداعش

 المرتكزات الفكرية العامة لداعش
      يتبنَّى تنظيم داعش معظم الأفكار التي كانت تتبناها التنظيمات الجهادية التكفيرية، المنتسبة للفكر القاعدي، ومن أبرز هذه الأفكار التسعة التالية-:

        من يتابع خطابات قادة داعش والواقع العملي لداعش يجد تضخيمهم لعقيدة الولاء والبراء، والمغالاة في تطبيقها، ونتج عن ذلك ثلاث مفاسد، هي:-
1- إساءة الظن بعموم الناس، حتى من المسلمين، ممن يخالفونهم لدرجة تكفيرهم والحكم بردَّتهم، نتيجة عدم التمييز بين المخالفات، العقدية والعملية، أو الكبيرة والصغيرة، أو القطعية والظنية.
2- الحدَّة والغلظة في الإنكار والرد على المخالف بالأسلوب العنيف، ولو كان المخالف سلفيًا، وعدم التفكير في مآلات الأمور، وما قد يترتب على التصرف من مفاسد عظيمة وفساد عريض.
3- محاولة النيل من الخصم أيًا كان بكل الوسائل الممكنة، ومن ذلك قتله وأسره وتعذيبه. وقد طبقته داعش في قتالها للتنظيمات العسكرية المقاتلة للنظام السوري، ولمن ينشق عنها، ولو كان قائداً أو مسؤولاً شرعياً.

ثانياً: الغلو في التكفير والقتل بغير حق:

       إنَّ أساس التكفير عند الدَّولة يقوم على مبدأ "الحكم بما أنزل الله"، وعنه يتفرع تكفير الحكَّام الذين يحكمون بالقوانين الوضعية، وتكفير الراضين بذلك، وتكفير من لم يكفِّر هؤلاء جميعًا، كما أنَّ البلدان التي تُحكم بالقوانين تصبح كلها دار كفر، فيعود الإسلام غريباً، وتعود حروب الردة سيرتها الأولى، ويجب الجهاد الذي يتحول معهم إلى ركن من أركان الإسلام.
      وهذا لم يكن ليستقيم على هذه الصورة دون الطعن في عامة العلماء والمؤسسات العلمية، والعودة المشوهة والانتقائية إلى الكتب، واتخاذ فقهاء مخصوصين من خارج النظام الفقهي، وبما أنَّ المنظومة الفقهية الإسلامية لا تُسعفهم في هذا البناء تجدهم حريصين على الكتابة في فقه الجهاد بصورة مختلفة، وبطريقة شديدة الانتقائية، حتى جعل أبو عبد الله المهاجر([1]) تقسيم العالم إلى دار إسلام ودار كفر "من المعلوم من الدين بالضرورة". ومن ثم يكفِّر من يخالفه، في حين نجد عامَّةَ الفقهاء يرون أنَّ هذا التقسيم هو مسألة أمْلَتْها ظروف تاريخية قد تتغيَّر.([2])
        وبناءً على منهج داعش التكفيري فقد مارست التكفير لمعظم التنظيمات الإسلامية المقاتلة ضد النظام السوري، كتكفير جبهة النصرة، وأحرار الشام، بل تكفير حركة الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية في العالم المعاصر، وتكفير حركة المقاومة الإسلامية "حماس". وكفَّرت داعش فصائل المجلس السياسي للمقاومة العراقية والتي تضم الجيش الإسلامي في العراق، وجماعة أنصار السنة، والهيئة الشرعية، والجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية (جامع)، وحركة المقاومة الإسلامية(حماس- العراق)، بل ووصف داعش المجلس بالعمالة والردّة. ([3])
      ومن أبرز ما يوضح هذه القضية، وبشكل لا يحتمل الشكَّ :"بيان ما يسمى عندهم الهيئة الشرعية للدولة الإسلامية"، وممَّا جاء فيه: "إنَّ أمراء ما يسمى بالجبهة الإسلامية قد تلبسوا بمناطات كفرية قبل إنشاء جبهتهم وبعدها".([4]) وممَّا جاء في بيان الهيئة الشرعية أيضاً: "فإذا تقررت ردَّةُ أمراء ما يعرف بالجبهة الإسلامية؛ كأبي عيسى الشيخ رئيس مجلس الشورى، وزهران علوش القائد العسكري، وحسان عبود رئيس الهيئة السياسية، بما تقدم من مناطات كفرية، كتولي المرتدين والكفار وتصحيح مذهبهم، وغير ذلك، فليعلم أنَّ كلَّ من التحق بِهؤلاء المرتدين بعد العلم بحالهم؛ وقاتل تحت رايتهم؛ فحكمُه حكمُهم، سواء بسواء، فلا خلاف بين أُمَّة التوحيد في حكم من صار مع المرتدين وأعداء الدين، في أنه من جملتهم؛ وحكمُه حكمُهم".([5])    
       وممَّا يدلًّ على شكِّهم في إيمان النَّاس أنَّهم فتحوا مكاتب خاصة أسموها "مكاتب التوبات"، وأخذوا يوزعون أوراق ما يسمى "الاستتابة"، بل إنَّهم لا يقبلون من أحد حتى يتوب -على طريقة الخوارج- في الإقرار على النفس بالردة والكفر".([6])
    وحسب تصنيفهم فإنَّ "قتال المرتدين مقدَّم على قتال الكفار"، وهذا يفسِّر ما يشاهَد من شدتهم على مخالفيهم من الفصائل الجهادية الأخرى، لأنهم لقَّنوا أتباعهم أن تلك الجماعات مرتدة، وأنَّها صحوات صُنِعت على عين الغرب الكافر لقتالهم، والقضاء على مشروع "دولة التوحيد" التي يقاتلون من أجلها كما يظنون، ومن ذلك تكفيرهم لأحد قادتهم الذي انشق عنهم، وانضم إلى جبهة النصرة، وهو الشيخ أبو سعد الحضرمي والذي تمَّ تعيينه أميراً لجبهة النصرة في الرقة.
       ومن يطالع أقوال المتحدث الرسمي للدولة الإسلامية أبو محمد العدناني سيجد تكفيره للمخالفين، واستباحته لدمائهم، يقول في ذلك الباحث إبراهيم بن عمر السكران: "من خلال دراستي لوثائق تنظيم الدولة الرسمية لاحظت أنَّهم يستعملون عدة أوصاف لتكفير المخالفين واستباحة دمائهم ويستحدثونها تباعاً، ولكن أشهر ناقضين عندهم يدور حولهما كلامهم وتكفيرهم للمخالفين، واستباحة دمائهم، هما ناقضان: (الصحوات والبرلمانية). فأمَّا الأول: ويسمونه "الصحوات"، ويعنون به أيَّ جماعة أو فصيل أو شخص يكون له موقف سلبي، وممانع ضد تنظيمهم، وفي نفس الوقت يثبت لديهم أنَّ له أية علاقة ما، أو تواصل، أو تفاوض بالقوى الغربية (يسمونها في خطاباتهم الصليبيين)، أو يثبت لديهم أنَّ له علاقة بالدول الإقليمية في المنطقة، كدول الخليج وتركيا، (ويسمونهم في خطاباتهم الطواغيت)، ومع الكثرة المفرطة لورود هذا المصطلح في خطاب تنظيم الدولة إلاَّ أنَّهم يذكرون أنَّهم لم يخترعوا هذا المصطلح، وإنَّما كما يقولون في تعريف مصطلح الصحوات: (الصحوات مصطلح سبكته البيادق الأمريكية لتجميل مرتديهم)، واسم "الصحوات" وما تصرف منها، مثل: "الصحوجي"، التي هي عند تنظيم الدولة من أشنع أوصاف الردة والخروج من الإسلام بالكلية، وموجِب من أعظم موجِبات استباحة الدم، وحز الرؤوس، وهدم البيوت وإحراقها، وسلب الأموال، ولذلك فإنَّهم كثيراً ما يضيفون لفظ الصحوات للفظ الردة، كقولهم: (صحوات الردة)، ومن ذلك قول العدناني نفسه: (ولن تغلب صحوات الردة إسلامكم إن شاء الله)، ويضيف: "وقد لاحظت أنَّه إذا جاء الحديث عن قتل واستباحة دماء "الصحوات" فإنَّ التنظيم في بياناته الرسمية يختار أقسى عبارات التكفير، واستحلال الدم، ليوضّح لمستمعيه أن وصف "الصحوات" هو من أشنع أوصاف الكفر والردة، ونواقض الإسلام، واستباحة الدم عندهم. ومن ذلك مثلاً: أنَّه لم يكتفِ بالقول بأنَّهم سيقتلون الصحوات، بل قال إنَّ ألذَّ الدماء وأحلاها هي: دماء من ينطبق عليه وصف "الصحوات"، كما جاء في أحد بيانات التنظيم:(فاعلموا أن لنا جيوشاً في العراق، وجيشاً في الشام من الأسود الجياع شرابهم الدماء، وأنيسهم الأشلاء، ولم يجدوا فيما شربوا أشهى من دماء الصحوات، فوالله لنسحبنّهم ألفاً ثم ألفاً، ثم والله لن نبقي منكم، ولن نذر".([7])
      ولقد رفضت داعش الدعوات المتكررة الشفهية والرسمية من الشرعيين والعسكريين من الفصائل المقاتلة، ومن علماء سوريا بالإعلان صراحة بعدم تكفير غيرهم من المجاهدين، وتحريم تكفيرهم، ومن ذلك: الروابط العلمية، والهيئات الإسلامية السورية، وجبهة علماء حلب.([8])
      وأصدر الشيخ المحدِّث عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد آل سعد المطيري بياناً ذكر فيه: أنَّه قد استفاضت الأخبار في وقوع ما يسمى بــــدولة "الإسلام في العراق والشام" في مخالفات شرعية  كثيرة، منها: وقوعها في تكفير المسلمين بغير حق، وحكمهم بالردَّة على من لا يستحق ذلك، وإنَّما بالشبهة، ممَّا أدى إلى استباحتهم دماء بعض من حكموا عليه بالكفر أو الردة.([9])
     وقد أكدَّ الدكتور إبراهيم عبد الله سلقيني – سوري الجنسية ومن جبهة علماء حلب- قيام داعش بتكفير المخالفين لها من التنظيمات الإسلامية المقاتلة، وغيرهم من أبناء الإسلام، مستدلاً بشهادات جميع المعتقلين المفرج عنهم، وهم بالمئات، وشهادات من قابلوهم، وجلسوا معهم في الحوارات، والمناظرات، والمفاوضات، وقد جلس معهم العشرات من طلبة العلم، وبشهادة مقاطع من الفيديو التي يبثونها على اليوتيوب.([10])
       وقد أكَّد معتقد تكفير داعش لغيرهم الدكتور الباحث السوري المعارض للنظام الدكتور يحي خيتي، حيث ذكر أنَّ الأحداث التي وقعت في سوريا لا تدع مجالاً للشك في انحراف تنظيم الدَّولة فكريًا وعقديًا، وتبنيه العقائد الغالية في تكفير الجماعات والفصائل المجاهدة، وترتَّب على ذلك: تعذيب قادة الجهاد وقتلهم، وكذا الحراك الثوري، والدعوي، والإعلامي، والطبي بأبشع الصور.([11])
       وبهذا يتبيَّن أنَّ هدف داعش ليس إسقاط النظام السوري إنَّما إقامة دولتهم المزعومة على المناطق المحررة، فزعموا أنَّهم المنهج الوحيد الصحيح، وأنَّهم وحدهم المجاهدون، وأنهم الدَّولة الأحق بحكم جميع سوريا، وأنَّ على الجميع الانضواء تحت رايتهم، وإلاَّ فإنَّهم خارجون عاصون... فسرقوا الثروات، واستولوا على ما حرَّره المجاهدون خلال الشهور الماضية.

       إنَّ مذهب أهل السنة وسط بين من يقول: لا نكفِّر من أهل القبلة أحداً، وبين من يكفِّر المسلم بكل ذنب دون النظر إلى توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه، ويتلخص مذهب أهل السنة في أنَّهم يطلقون التكفير على العموم، مثل قولهم: من استحلَّ ما هو معلوم من الدين بالضرورة كفر، ومن قال إنَّ القرآن مخلوق، أو إنَّ الله لا يرى في الآخرة كفر، ولكن تحقُّق التكفير على المعيَّن لابد له من توفر شروط، وانتفاء موانع، فلا يكون جاهلاً ولا متأولاً ولا مكرهاً.. الخ.([14])
     قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فقد يكون الفعل أو المقالة كفراً، ويطلق القول بتكفير من قال تلك المقالة، أو فعل ذلك الفعل، ويقال: من قال كذا، فهو كافر، أو من فعل ذلك، فهو كافر. لكنَّ الشخص المعين الذي قال ذلك القول، أو فعل ذلك الفعل، لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا الأمر مطرد في نصوص الوعيد عند أهل السنة والجماعة، فلا يشهد على معين من أهل القبلة بأنَّه من أهل النَّار، لجواز أن لا يلحقه، لفوات شرط أو لثبوت مانع".([15])
     لقد تناسى جماعة داعش أنَّ هناك عدداً من الأحاديث المحذرة من تكفير المسلم، ومنها:
1- عَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم  يَقولُ: "لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ؛ إِلاَّ ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ".([16]) 2- قول رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ليسَ عَلى رجلٍ نذرٌ فيما لا يملكُ، ولَعنُ المؤمنِ كقتلِهِ، ومَن قَذفَ مؤمناً بكفرٍ فهو كقتلِهِ، ومَن قَتلَ نفسَهُ بشيءٍ في الدُّنيا عُذبَ به يومَ القيامةِ، ومَن حلفَ بملةٍ سِوى الإسلامِ كاذباً فهو كما قالَ".([17])
3- قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما".([18]) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "والتحقيق أنَّ الحديث سيق لزجر المسلم من أن يقول ذلك لأخيه المسلم… وقيل: معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره… ومعنى الحديث فقد رجع عليه تكفيره، فالراجع التَّكفير لا الكفر، فكأنَّه كفَّر نفسه لكونه كفَّر من هو مثله".([19]) وقال القرطبي رحمه الله: "والحاصل أنَّ المقول له إنْ كان كافراً كفراً شرعياً فقد صدق القائل، وذهب بها المقول له، وإنْ لم يكن رجعت للقائل معرة ذلك القول، وإثمه".([20])
      إنَّ الخطر العظيم الذي نشأ عن تلك العقيدة هو تحويل جيش داعش إلى جيش من القَتَلة، بمجرد إقناعهم بأنَّ الخصم كافرٌ أو مرتدٌ، وما أسهلَ ذلك على عقول سلّم أصحابُها قيادَها لأمرائهم، وقد عزلوها عن التلقي من غيرهم. ومثال ذلك: تكفير لواء عاصفة الشمال بناء على صورة مع جون مكين، الذي زار شمال حلب يوم 29 أيار 2013م، ولم يأتوا بأيِّ دليل يثبت حصول خيانة داخل اللقاء، وهذه شبهة لا تجيز القتال، وسفك دماء المسلمين، فقد اجتمع صلى الله عليه وسلم بعدد من الكفار والتقى بهم. وهذا ظاهر في بياناتهم الصوتية والمكتوبة. وقد ثبت وجود لقاءات كثيرة بين فصيل تنظيم الدولة وعاصفة  الشمال بعد الصورة.

عدم تفريق داعش في التكفير بين الطائفة والأعيان:

     لقد نشر التنظيم بحثاً في مجلة دابق نقدوا فيه بعض المقالات الخاطئة في التكفير، ومنها: أنَّهم رفضوا قول من يفرق بين الطائفة والأعيان، فمن يقول: "الجهة الفلانية طائفة ردة، لكني لا أكفِّر كل أعيانها"، فإنَّ جماعة الدولة ترى أنَّ هذا القول خطأ، وأنَّه لا فرق بين الطائفة والأعيان، وإذا وقعت الطائفة في الكفر انسحب اسم الرِّدَّة على كل أعيانها، كما يذكر جماعة الدولة، فقد جاء في مجلة دابق، العدد السادس، ربيع الأول، 1436هـ، ص 20.(يُفرِّق بين الطائفة وأعيانها في اسم الكفر وبعض أحكامه، وهذا التفريق مخالف لإجماع السلف في حق الطوائف التي اجتمعت على كفر، كنصرة القباب والقانون) ويذكر تنظيم الدولة أنَّ هذا التفريق بين الطائفة والأعيان يسبِّب مشكلات عملية مزعجة لهم، حيث سيقود جنود الدولة إلى التورع والاحتياط أثناء مقاتلة من حكم عليه شرعيي الدولة بالرِّدَّة، وفي ذكر العراقيل غير المريحة الذي يسببها هذا القول: جاء في مجلة دابق، العدد السادس، ربيع الأول/1436هـ، ص 21: (فإنَّ المرء إذا كان يُقدّر وجود "مسلمين" في صفوف الطائفة، ويوسع لهم دائرة العذر ليشمل الجهل بأصل الدين، فسيضطر، من حيث يشعر أو لا يشعر، عاجلاً أو آجلاً، إلى أن يتورع ويحتاط، فلا يستهدف المرتدِّين خشية أن يقتل "مسلمين متأولين)".([21])

تكفير داعش للرئيس المصري الدكتور محمد مرسي:

      هاجم أبو محمد العدناني المتحدث باسم الدولة الإسلامية بالعراق والشام زعيم تنظيم القاعدة د. أيمن الظواهري، موجهاً له انتقاداتٍ لاذعةً، وبيَّن موقف جماعة الدولة من الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي، فقال: ندعوك لتصحيح منهجك، وتصدع بردة الجيش الباكستاني، والمصري، والأفغاني، والتونسي، والليبي، واليمني، وغيرهم من جنود الطواغيت وأنصارهم، وعدم التلاعب بالأحكام والألفاظ الشرعية، كقولك الحكم الفاسد والدستور الباطل، والعسكر المتأمريكين، والدعوة صراحة لقتال جيش مصر جيش السيسي الفرعوني الجديد، وإلى التبرؤ من الرئيس مرسي وحزبه، والصدع بردته وكفاك تلبيسا على المسلمين... نعم مرسي المرتد، الذي خرج إلى سيناء بجيشه لا لمحاربة اليهود بل لمحاربة الموحدين هناك، فدك بطائراته ودباباته بيوتهم، وبيوت المسلمين.
       وفي العدد السابع من مجلته الرسمية "دابق" الناطقة بالإنجليزية، والتي تداولها أنصار التنظيم على شبكات التواصل الاجتماعي أعادت المجلة نشر نص رسالة صوتية سابقة، وجهها أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة إلى الرئيس مرسي في يناير2014م بعنوان "التحرر من دائرة العبث والفشل". وعنونت المجلة نص الرسالة على صفحاتها بـ"نداء ضعيف من الخَلَف إلى الطواغيت، من الظواهري إلى الطاغوت مرسي"، كما أرفقت مجلة "دابق" بالرسالة التي نشرت نصها على صفحتين من صفحاتها الـ82 صورة للرئيس المصري الأسبق وعنونتها بـ"مرسي الطاغوت". وذيلت المجلة الرسالة بتعليق قالت فيه: "أين ما يسمى بالحكمة في إرسال هذا النداء الضعيف للمسجون المرتد؟ وحتى الأسوأ، أين ما يسمى بالحكمة في إسناد الإسلام للطاغوت، الذي حكم بالقوانين الوضعية.
تكفير الدولة الإسلامية للعاملين في الجيوش في العالم العربي والإسلامي:
       ومن مغالاة الدولة الإسلامية تكفيرهم لعوام المسلمين العاملين في الجيوش في العالم العربي والإسلامي كله، وعدِّهم جميعاً مرتدون خارجون عن الإسلام، ومستباحون الدم لأنهم يحمون الطاغوت ويتولونه. فقد جاء في البيان الرسمي لتنظيم الدولة ما يلي:(لابد لنا أن نصدع بحقيقة مرة لطالما كتمها العلماء واكتفى بالتلميح لها الفقهاء ألا وهي: كفر الجيوش الحامية لأنظمة الطواغيت..، لابد لنا أن نصرح بهذه الحقيقة المُرّة ونصدع بها, ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة، إن جيوش الطواغيت من حكام ديار المسلمين هي بعمومها جيوش ردة وكفر، وإن القول اليوم بكفر هذه الجيوش وردتها وخروجها من الدين بل ووجوب قتالها لهوَ القول الذي لا يصح في دين الله خلافه".([22])
      وفي بيان رسمي له يدعو أنصاره ويستحثهم على قتال العساكر في الجيوش العربية والإسلامية، جاء فيه: "فهيا أيها الموحد، لا تفوتنّك هذه المعركة أينما كنت، عليك بجنود وأنصار الطواغيت وعسكرهم، وشُرَطِهم، وعناصر أمنهم، ومباحثهم".([23])
     وتواتر النقل عن عناصر من فصيل لتنظيم الدولة في سوريا تكفير الجيش الحر بالجملة، بل وتكفير أهل بلاد الشام جملة، بدعوى أنَّهم عباد قبور. وقد وجهت جبهة علماء حلب لقيادات هذا الفصيل عدَّةَ مرات بإخراج بيان يحرم تكفير الجيش الحر، أو تكفير المسلمين بالجملة، ولم يستجيبوا لذلك، وهذا يجعل جماعة الدولة مسؤولين عن تصرفات أفرادهم مسؤولية كاملة، وهذا ظاهر في مقطع تكسير قوارير الخمر التي ادَّعوا كذباً أنَّها لمقاتلي لعاصفة الشمال، ولو صحَّ أنَّها لعاصفة الشمال فلا يجوز تكفير المسلم بالكبيرة. وأيضاً ثبت تكفير جماعة الدولة كلَّ من يعمل في المنظمات المدنية جملة، تحت دعوى أنَّه تابع للإتلاف، وعدم إيراد أيَّ دليل يدلُّ على هذه التبعية المدعاة.([24])
       وما ذهبت إليه جماعة الدولة من عدم التفريق في التكفير بين الطائفة والمعين مخالف لما ذهب له سلف الأمة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "نُصُوص الوعيد التي في الكتاب والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعيَّن؛ إلاَّ إذا وُجِدَتِ الشروط، وانتفتِ الموانع".([25]) وقال شيخ الإسلام كذلك فيمَن قال ببعض مقالات الباطنيَّة الكفريَّة: "فهذه المقالات هي كُفر؛ لكن ثبوت التكفير في حقِّ الشخص المعيَّن، موقوفٌ على قيام الحجة التي يَكْفُر تاركها، وإنْ أطلق القول بتكفير مَن يقول ذلك، فهو مثل إطلاق القول بنُصُوص الوعيد، مع أنَّ ثُبُوت حكم الوعيد في حقِّ الشخص المعيَّن، موقوفٌ على ثبوت شروطه، وانتفاء موانعه؛ ولهذا أطلق الأئمة القول بالتَّكفير، مع أنَّهم لم يحكموا في عين كلِّ قائلٍ بِحُكم الكفار".([26])
      وقال ابن أبي العِزِّ الحنفي في "شرح الطحاوية"، عند كلامه على تكفير المُعَيَّن: "الشَّخص المعيَّن يمكن أنْ يكونَ مجتهداً مخطِئًا مغفوراً له، أو يمكن أنْ يكونَ ممَّن لم يبلغْه ما وراء ذلك منَ النصوص، ويمكن أنْ يكونَ له إيمان عظيم، وحسنات أوجبتْ له رحمة الله... ثمَّ إذا كانَ القول في نفسِه كفرًا، قيل: إنَّه كفر، والقائل له يَكْفُر بشروط، وانتفاء موانع".([27])
     وقال العلاَّمة محمد بن علي الشوكاني: "اعلم أنَّ الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام، ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أنْ يقدمَ عليه، إلا ببرهانٍ أوضحَ من شمس النهار؛ فإنَّه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنَّ: "مَن قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه"([28])، وفي لفظ آخر: "مَن دعا رجلاً بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك، إلا حارَ عليه"([29]) أي رجع، وفي لفظ في الصحيح: "فقد كفر أحدهما"، ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظمُ زاجر، وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير.([30])


[1]-  أبو عبدالله المهاجر المصري مؤلف كتاب فقه الدماء، الذي كان أحد أهم شيوخ أبي مصعب الزرقاوي، وقد جاء في ترجمة أبي عبد الله المهاجر أنه تلقى العلوم الشرعية في باكستان، ودرس وأكمل فيها الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية، ودرَّس في معاهد شرعية إبان إمارة طالبان في أفغانستان، وكان ممن درس وتلقى عنه في تلك الفترة أبو مصعب الزرقاوي.
[2]- انظر الخلافة رؤية شرعية، الدولة الإسلامية: النشأة، التأثير، المستقبل: مركز الجزيرة للدراسات (http://securself.blogspot.com/2014/11/blog-post_24.html)
[3]- صدرت عدة بيانات عن جماعة أنصار الإسلام الموجهة للدكتور أيمن الظواهري وغيره من قيادات الدولة الإسلامية في العراق، حيث تشكو تكفير أفراد الدولة لجماعة أنصار السنة. انظر بعض هذه البيانات: موقع عرين المجاهدين (https://al-aren.com/vb/showthread.php?t=955).
[4]- بيان الهيئة الشرعية للدولة الإسلامية حول تكفير الجبهة الإسلامية والصادر يوم الأربعاء 16 جمادى الآخر1435 ه ص27. والعلامات الفارقة في كشف دين المارقة - بحث تأصيلي يكشف حقيقة جماعة الدَّولة شرعًا وواقعًا- : للشيخ د. مظهر الويس ص 70.
[5]- بيان الهيئة الشرعية للدولة الإسلامية ص29. والعلامات الفارقة في كشف دين المارقة -مصدر سابق- ص 70.
[6]- العلامات الفارقة في كشف دين المارقة : للشيخ د. مظهر الويس ص 76.
[7]- في بحثه وهو بعنوان: "قتل الأهل والأقارب عند تنظيم الدولة- قراءة في الوثائق الرسمية للتنظيم-". ونقل أقوال المتحدث الرسمي للدولة الإسلامية أبو محمد العدناني كالتالي: "مجلة دابق، العدد الأول، رمضان 1435هـ، ص20"، أبو محمد العدناني. بيان بعنوان: فيَقتلون ويُقتلون، مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي، الدقيقة:23". أبو محمد العدناني، بيان بعنوان: والرائد لا يكذب أهله، مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي، الدقيقة: 25.
[8]- انظر: بيان صادر عن جبهة علماء حلب بحظر فصيل العراق والشام وفتوى بوجوب انتقال عناصره شرعاً لفصائل مجاهدة أخرى، وبيان لجبهة علماء حلب بخصوص الحكم الشرعي لما يقوم به فصيل العراق والشام بسوريا. وبيان الروابط العلمية والهيئات الإسلامية السورية حول تصرفات تنظيم (الدَّولة الإسلامية في العراق والشام) بتاريخ 18/2/1435هـ– 21/12/2013م. وبيان وفتوى الروابط العلمية والهيئات الإسلامية حول التصرفات الآثمة لتنظيم دولة العراق والشام، بتاريخ 3/3/1435هـ– 5/1/2014م.
[9]- انظر: بيان الشيخ المحدث عبد الله السعد في تنظيم الدَّولة الاسلامية في العراق والشام.
[10]- انظر: تقرير ببعض جرائم تنظيم العراق والشام، الصفحة الشخصية له على "الإنترنت"
[11]- انظر أحداث العراق الأخيرة ومشاركة تنظيم الدَّولة فيها: الدكتور عماد الدي خيتي http://islamsyria.com/portal/article/show/5541.
[12]- الدَّولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم: أبو عبد الله محمد المنصور ص3.
[13]- الدَّولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم: أبو عبد الله محمد المنصور ص7. يقول صاحب الكتاب: "أقول ذلك وأنا خبير بقياداتهم، فالزرقاوي رحمه الله بقي في بيتي مدة ليست بالقصيرة، وما يسمى الآن زورًا بأمير المؤمنين –عليه من الله ما يستحق- كان فردًا في جماعتنا، ودرس عندي شيئًا قليلاً من "زاد المستقنع"، ثم قُدِّر لي الاعتقال، وترك جماعتنا بعد اعتقالي لأسباب ظاهرها إداري، وباطنها كما أظن – والعلم عند الله- الهوى وحب الظهور. ومن خلال معرفتي الدقيقة بالشخصين، أقول: ليس بينهما أفعل تفضيل أبدًا. فما يسمى زورًا بأمير المؤمنين سيء الخلق جاهل ومن أهل الأهواء، أساء كثيرًا إلى الجهاد في العراق، واليوم ينقل أهواءه وجهله إلى الشام. أمَّا الزرقاوي رحمه الله فنختلف معه في بعض مسائل التكفير وفي كثير من مسائل السياسة الشرعية، لكنه رحمه الله كان أفضل ممن سمى نفسه بالبغدادي، وليس عندي من شك أنَّ هذه الدَّولة الموهومة لا تدار من قبل أبي بكر البغدادي؛ لأنه – ومن خلال معرفتي الدقيقة به وبغض النظر عن الانحراف الفكري والعقدي لديه- محدود الذكاء، لا يصلح للقيادة أبدًا، وللفائدة أقول إنَّ عمره في نهاية الثلاثينيات".
[14]- التكفير حكمه وضوابطه والغلو فيه: فهد عبد الله ص 45.
[15]- مجموع الفتاوي: شيخ الإسلام ابن تيمية 35/165.
[16]- أخرجه البخاري  رقم 5585، 6045، ومسلم رقم 61.
[17]- أخرجه البخاري  رقم 1363،6047، 6105، 6652، ومسلم  رقم 110.
[18]- أخرجه أحمد 2/44، والبخاري رقم 6103، ومسلم 1/79، رقم60.
[19]- فتح الباري شرح صحيح البخاري: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار المعرفة - بيروت، 1379ه،10/466.
[20]- فتح الباري شرح صحيح البخاري 10/466.
[21]- انظر بحث قتل الأهل والأقارب عند تنظيم الدولة- قراءة في الوثائق الرسمية للتنظيم-: إبراهيم بن عمر السكران، ص 9-10.

[22]- انظر أبو محمد العدناني، بيان بعنوان: السلمية دين من؟!، مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي، الدقيقة: 15.
[23]- انظر أبو محمد العدناني، بيان بعنوان: إن ربك لبالمرصاد، مؤسسة الفرقان، الدقيقة: 35.
[24]- انظر بيان صادر من جبهة علماء حلب بخصوص الجرائم التي اقترفتها داعش خلال فترة عملهم داخل سوريا. ومقال داعش، والسياسة الشرعية في مراعاة المصالح: محمد عبد الرازق، موقع الإخوان المسلمين، سوريا.
[25]- مجموع الفتاوى: 10/ 372، 35/ 165-166، والمسائل الماردينية؛ كلاهما لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ص 71.
[26]- "بغية المرتاد في الرَّد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية"؛ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة ص 353، 354، وقال شيخ الإسلام أيضًا؛ كما في "مجموع الفتاوى" 10/ 329، 330: "لَعْن المطلق لا يستلزم لَعْن المُعَيَّن الذي قام به ما يمنع لُحُوق اللعنة به، وكذلك التكفير المطلق والوعيد المطلق، ولهذا كان الوعيد المُطْلَق في الكتاب والسنة مشروطًا بثبوت شروط وانتفاء موانع"، وينظر: "بغية المرتاد" ص 313. 
[27]- شرح العقيدة الطحاوية: تحقيق جماعة من العلماء، تخريج: ناصر الدين الألباني، دار السلام للطباعة والنشر التوزيع والترجمة، الطبعة المصرية الأولى، 1426هـ- 2005م ،1/319.
[28]- صحيح البخاري 10/514، ومسلم رقم 1892.
[29]- البخاري رقم 6045، مسلم رقم 215.
[30]- السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: محمد بن علي الشوكاني، دار ابن حزم، الطبعة الأولى ص 978.

أ. د صالح حسين الرقب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق