الثلاثاء، 21 يونيو 2016

العالم و البيت الابيض في عد عكسي لوداع الذئب الابيض




الجزء الاول

ولد في السادس من 1946 بنيوهافن الامريكية اسمه الكامل "جورج وولكر بوش الابن"نشا بين
احضان عائلة مرموقة سياسيا ابن جورج بوش الاب الرئيس السابق للولايات المتحدة الامريكية
.والاخ الاكبر لحاكم ولاية فلوريدا"جيب بوش" وحفيد عضو مجلس الشيوخ الامريكية سابقا .قبل
ان تطا قدماه الساحة السياسية كان رجل اعمال وكانت اعماله تتضمن عدة شركات النفط وبعد ان
اقتحم عالم السياسة كان قبل توليه الرئاسة كان حاكما لولاية تكساس منذ سنة 1995 الى سنة
2000 .استطاع بعد الانتخابات الرئاسية والتي تنافس فيها مع "ال غور" الوصول الى البيت
الابيض و يتولى منصب الراسة ليخلف  الرئيس  "بيل كلنتون".

ابتداءا من ليلته العظمى. ليلة فوزه بالرئاسة جلس  الى  مكتبه معتبرا ان الوقت قد حان وان جزء  من
احلامه الكبيرة قد تتحقق وانه لن يضيع فرصة العمر بدون تحقيق باقي الاحلام .وقف وحدق بخريطة
الشرق الاوسط طويلا .ورسم خرائط فوق خريطة .واهدافا تلوى اخرى واوهاما لتكون حقيقة .

كان بوش محتاج لسبب حقيقي ليوهم به العالم .ليبدا رحلته التاريخية نحو الشرق الاوسط او فتنام الجديد
او القمر الجديد اد انه عاجلا ام اجلا ان يرفرف العالم الامريكي فوق الرافدين .والى جانبه صورة بوش.

تحقق له الحلم فبين عشية وضحاها و كوضوح الشمس تم تفجير (ناطحات السحب) الذي يعتقد ان من

وراء  التفجيرات الثلاث ما يدعى تنظيم القاعدة .
فقام بوش وصرخ في وجه العالم و قال ان الارهاب اخطر من الكولرا وهواخطر شيئ يهدد العالم باسره
وبان استقرار العالم يعتمد على تصفية الحسابات مع القاعدة وتطهير الشرق الاوسط اذ تعتبر منطقة
خصبة تغذي الخلايا الارهابية والمتطرفة . ويجب القبض على اسامة بن لادن الذي يعتبر و يشكل ابرة في
عنق بوش.
وبعد نجاحه في اقناع العالم بالدخول الى افغانستان ومطاردة القاعدة والتنقيب عن"بن لادن"وجه اصابع
الاتهام الى" صدام " معتبرا اياه اخطر من "بن لادن" لان بحوزته اسلحة الدمار الشامل ليتمم ما لم يتممه
ابوه .حيث بعد عدة حلقات سياسية قال بوش بان لا حل مع "صدام "  والعراق الا بالحرب .

وهذا ما   استطاع فعله عندما دخلت القوات الامريكية والبريطانية وقوات من مختلف الجنسيات .في فجر
مارس 2003 كانت نقطة الصفر لعداد عمر الحرب ليبدا المسلسل الطويل بين "صدام" اسطورة الشرق
و"بوش" اسطورة الشرق والغرب .حينما بدا عوائه يسمع هنا وهناك فمن الصين الىالاتحاد الاوربي الى
الكويت ثم الى اسرائيل ...للقبض على سيد بلاد الرافدين .و بعد عدة محاكمات في المحاكم العراقية كان
الحكم كما خطط له الذئب. اعدم صدام فجر عيد الاضحى الموافق ل 30/دجنبر/2006 امام انظار العالم .
والذي ايدته علنا الولايات المتحدة و استراليا و اسرائيل  وايران ...بينما اعتبره الفاتيكان فاجعة حقيقية و
اعتبره الاتحاد الاوربي خطا فادحا و ادانت روسيا امريكا لعدم اصغائها الى المجتمع الدولي.فيما كانت ردود
الدول العربية ودول شمال افريقيا جد محتشمة .وبعد التخلص من صدام اصبحت العراق بمواردها الطاقية
النفيسة و خيراتها و شعبها بين انياب بوش و حلفائه اتبدا فضائح صنعها التاريخ كما رسمها بوش
بالتحديد ليرقص رقصته اكثر من مرة مع زوجته "لورا بوش" بمزرعته في  "كروفورد" بتكساس .


 نشر بجريدة الأسبوع الإعلامي  -2008

ثقافة المعارضة


ثقافة المعارضة



                     لا شك ان ابرز ما تقوم عليه الدموقراطية هي شيئ إسمه " الفرد" , فرد ذو مواقف و مبادئ معينة يؤمن بها و مستعد
ليموت من أجلها ومن أجل حقوقه ليضمن بذلك حياة تستحق أن تسمى حياة كرامة و مواطنة, و يستحق يها الفرد ان يسمى مواطن , و
لشك أن الفرد المواطن هو ذلك الانسان الذي يجعل المصلحة الجماعية فوق المصلحة الشخصية.

                  هذه المواصفات جاءت لتمحي عن الأفراد صورة الرعية العمياء صور تلك القطيع التي خلقت للامتثال فقط , تلك القطعان
التي تتفرج على أحد أفرادها حتى تأكله الذئاب ثم تكون طبعا الضحية الموالية .

                   من خلال هذه المفارقة أجد نفسي مباشرة أمام مصطلحين اثنين "المواطن" و "الرعية", الاول أجده موجودا في
المجتمعات الاخرى الغربية طبعا بأعداد كثيرة أما الثاني فليس بعيدا عني اراه صباح مساء في الجامعة في الشارع على التلفزيون في
الادارة في السجن , ربما أكون واحدا منهم لما (من عاشر قوما أربعين يوما صار منهم ) .

  السؤال – لماذا في الغرب يقيم الفرد الدنيا و يقعدها بسبب بيطري أخطئ في التقدير وكتب دواءا غير مناسب فسبب في موت كلب
صغير .

              و هنا في وطني للظلم فيه ظل , و لا من يحرك ساكنا , الأفراد هنا يطغى عليهم الجبن و السداجة و الامبالاة أناس بلا قناعات و
لا مبادئ يموت من أجلها .

                 في مجتمعنا مصطلحات أو بالاحرى كلمات لها قوة خارقة  في التحفيز مثل "الهمة" و "الرجولة" و "الجهاد" هذا الاخير
مثلا , نكاد نجده لا يتجاوز الحقل الديني , لما لا نربطه بالحقل المدني اربطه به لاجاهد لنزع حقي من هذا المتسلط أو  ذاك او هذه الجهة 
او تلك .
                          بعد هذه المقدمة النظرية أنزل الى الواقع لأوضح رسالتي  أكثر , والامثلة على أرض لواقع لا تعد ولا تحصى , قبل
أيام فقط اتى "غلاب" بمدونة سير جديدة تعتبر بالنسبة لي كبناء سد فوق أطنان وحل , وضعت هذه المدونة بلا استراتيجيات محددة ولا
دراسات كافية و لا ولا ... , فبين عشية وضحاها تم الشروع في تطبيقها رغم الضجة و الاضرابات التي ضدهل على مدى شهور طويلة الا
ان اصوات أبناء هذا الوطن الجريح من مواطنين و رعايا لا يستطيعوا أن يديرو وجه غلاب صوبهم , لتستمر انتهاكات الدولة ضد
رعيتها و مواطنيها .
    عجبا , أين كان غلاب و نوام البرلمان المصوتين لصالح المدونة من التفكير في تداعيات هذا الفيروس حيث لم يمض على بداية
تطبيق المدونة إلا أقل من أسبوع حتى إشترى أبناء بعض المناطق في الجنوب الطماطم بـ مبلغ 25 درهم للكيلوغرام الواحد لتسبب
المدونة في مجاعة . هنا اتسائل ؛ ما علاقة أسعار الخضر بالمدونة و هل سيأتي يوم تأثر فيه الطماطم في مدونة سير جديدة لانني انتظر
مدوانات سير مع كل وزير "كاطو " الا وهو المدونة .

               نعم هذا هو منطق تفكير غلاب أو بالاحرى المتخصصون و أهل الكفاءة العالية الذين وضعو المدونة نسوا ان ترابطات
القوانين و العواقب والنتائج داخل المجتمع جد متشابكة . وهذه القواعد و الفلسفات لا يفقهها نوامنا البرلمانيون المصوتين لصالح
المدونة الغلابية و تسبب لهم الدوران بل منهم لم يقرأها بتاتا و صوتو ا وفق قاعدة نوامية محضة  "هاد الوزير كليان مزيان كايطهلا "
"اوهادا دين الكلب مايسواش", او منهم من لا يكترث و يعود الى لعبة الصغار " اباجدي اوريني اش غاندي" .


 محمد أيت الحافظ
نشر بجريدتي :
أخبار سوس(إلكترونية)   دجنبر 2010
الاسبوع الإعلامي عدد  38   يناير 2011

لعنة الشعوب


لعنة الشعوب

ما أغربها وما اشدها تأتي في لحظات استثنائية ’ عاصفة جياشة لا تنطفئ الا إذا أشبعت حاجياتها  وانتقمت من ظالميها و ان قمعت جائت مضاعفة في المرة الموالية .
 ما أشد لعنة الشعوب و الجماهير , ثورة كانت او انتفاضة لا فرق , على مدى قرون و عند أغلب الشعوب قرأنا عن الثورات السياسية والإنقلابات العسكرية , و بما أن هذا مرتبط أشد الإرتباط بمدى وعي الجماهير , فإن أول ما ظهر بالمعنى الحداثي ظهر في أوربا إبتداءا  من القرن السابع عشر بالخصوص , حيث نذكر الثورة الفرنسية و البريطانيا و الثورة في بلجيكا و ثورة ماوتستونك في الصين , و ثورة البلاشفة في روسيا سنة 1917...
كل هذه الثورات و غيرها تميزت بكونها جاءت تطبيقا للثورة الفكرية و العلمية وبعد الإصلاح الديني في أوربا , و تميزت تلك الثورات بوقوف الجماهير وراء نخب  سياسية مثقفة من متزعمي الفكر التنويري .
 و في ظرف ثلاث قرون تقريبا إنقلبت حياة اوربا رأسا على عقب ,  أعطت للعالم دروسا في تاريخية مهمة , فاستنتجت الشعوب أن معيار التقدم و التطور هو التحرر من قيود ملوكها و زعمائها  الديكتاتوريين و أنظمتها الفاسدة .
   ومع نهاية الحرب العالمية الثانية إستغلت بعض الدول الأسيوية بالخصوص تلك الحقبة التاريخية أثناء فترات الحرب الباردة لتقود نفسها بنفسها و تجد لنفسها مخرجا من ظلمة و عتمة الإستعمار والاستغلال , في ما بقيت بعض دول العالم الثالث خصوصا الدول العربية ودول إفريقيا الشمالية بين أيدي من حديد , حكومات و أنظمة جائرة متجبرة في الحكم , و لم تجد معها الشعوب إلا الخضوع و عيش حياة الشعوب الأوربية قبل القرن السادس عشر .
                        من خلال ما سبق , لا أريد أن اسرد عليك التاريخ , و إنما رأيت أنه من الضروري لفهم أكثر أن نجعل أنفسنا في السياق .
                 فعلا هذه الشعوب لابد أن يأتي دورها رغم أنني لست متفقا حرفيا مع بعض المستشرقين القائلين أنه على هذه الشعوب أن تعيد شريط أوربا بالتمام إن ارادت التخلص من غفوتها  وكسر جمودها .
         دورها يعني أن تستيقض من سباتها و إن كنت سأقول بأنها تأخرت كثيرا و ضيعت عنها سنوات طوال  بل إن هناك شعوب ستضيع سنوات أطول .
            إن ما ميز انتفاضات و ثورات كل من تونس و مصر و إني لأتنبأ لكل من الجزائر و اليمن و أغلب الشعوب بنفس المصير , هو أن هذه الثورات لم تحركها تلك النخب التي كنا ننتظر و لم تحركها أحزاب معارضة أو أي جهة سياسية أخرى بل صاحت الأم قبل الجميع (ما أشد صياح الأم و هنا أذكر نساء بلغراد في ثورة فبراير قي روسيا)و صاحت الفئات معها ثم فاضت الشوارع , و بدأ الحدث ... هنا أقول هنا تفوقت و تميزت هذه الثورات على ثورات أوربا بالتحديد في القرون الماضية كون تلك حانت النخب في الأمام و الجماهير في الخلف و أما هذه فإن  الجماهير تزعمت والنخب تابعت من خلف فقط .
  هناك ثلاث نقط أساسية أريد الحديث عنها و هي :
                  أولا : شروط إندلاع الثورة , إن انعدام حرية التعبير أو لا علمية ولا مشروعية الحكم و أسباب اخرى كثيرة و ان كانت جد محركة للفئة المثقفة . فإن ذلك لا يكفي إالا إذا وصلت الأزمة الى لب كل أسرة , إلا إذا بدأ الحديث يدور داخل الأسر أنذاك انتظر الحدث , و الا يمكن أن يؤثر في الأسر إلا إن سلك احدى السبل الثلاث , 1- الإقتصاد ( غلاء الأسعار – البطالة ....) أو الأمن (تفشي السرقة إلى حدود الحروب الأهلية .3- الدين , حيث بما أن تحس الجماهير بأن النظام يمس معتقدها لا تنتظر منها المكوث .
 إن هذه النقط لا أعممها على كل الشعوب ولكن أحصرها فقط  في دول العالم الثالث لان دول العالم المتقدمة , الشريحة فيها تحتلف تماما فيمكن أن تثور الجماهير فقط لأن الإنتخابات مشكوك فيها , أو لأن نوع النظام تم تجاوزه و ليس ديموقراطي , حتى وإن قدم نتائج مقبولة .
    ثانيا : تخص بعض المحركات الخفية للثورة , إنه غالبا أن الأنظمة الكبرى والمجاورة لنظام الدولة له تأثير كبير إما على بقائه أو التخلص منه ,  ومعيار كل منهما هو المصلحة هنا أذكر موقف كل من أمريكا و الإتحاد الاوربي من معارضة الشارع الإيراني للنتائج الإنتخابات الأخيرة و كذا موقفهما من الرئيس الإيراني  و أقارن كل ذلك بموقفهما من الثورة التونسية و كذا من زين العبدين ين علي و صديقه حسني مبارك . فعلا الشريطين مختلفين تماما لماذا ؟ أليس الشعوب كلها متساوية لما ترفع أصوات الغرب ضد أحمدي نجاد الذي إختاره الشعب (لا أدافع عن إيران) و لا ترفع الأصوات ضد جبابرة الحكم الذين عاشوا فوق كرسي الحكم ولعقود طويلة . كل ذلك يتطابق مع ال مقولة التالية , الغرب : **أنا مع الشعب حتى أحصل على زعيم يناسبني و مع الزعيم مادام الشعي لا يناسبني**            ثالثا : نتائج هذه الثوراث . من الغباء جدا أن يؤمن أحدنا تمام الإيمان بأن في نهاية هذه الثورات فلاح و نعيم بل إن دواليب السلط و لوبيات السياسة الداخلية والخارجية ستعمل كل ما في وسعها لإستغلال الظرفية كي تزين ثوبها للشعب حتى تمسك  بزمام الأمور ثم تتجبر فتعيد الشعب الى نقطة الصفر  بعد ما إمتصت ثورته  أو تكتفي هذه الشعوب بحلول ترقيعية جاهزة غبية , كما عرضها السيد حسني مبارك ( الرب الأعلى ) .

     إجمالا شاهدنا الكثير في العشرية الأولى من قرننا هذا , إنتظروا الكثير و الكثير خلال هذه العشرية الثانية و التي سيتغير فيها ما ليس بالقليل .
 محمد أيت الحافظ
              نشر بجريدة الأسبوع الاعلامي :العدد 39 - فبراير 2011




تطبيق منهجية النص الفلسفي - درس التقنية و العلم.


مبدأ التحكيم

 

يمكن تعريف التحكيم بأنه " تسوية شخص أو أكر نزاعا عهد به إليه للفصل فيه باتفاق مشترك" أو " أنه " اتفاق أطراف علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية، على الفصل في المناعزعة التي صارت بينهم عن طريق أشخاص يتم اتخيارهم كمحكمين".
 و التحكيم ليس بظاهرة جديدة، بل عرفته البشرية منذ زمن طويل، و ذلك أنه في القديم كان دور التحكيم  يتقلص كلما كانت هناك سلطة مركزية قوية. و العكس صحيح أي كلما كانت هناك سلطة مركزية ضعيفة برز هذا الأخير.
  أما عن نشأته التاريخية فليس هناك شك في كون التحكيم كآلية لتسوية الخلافات بين الأفراد، يضرب بجذوره في عمق التاريخ البشري، لهذا فقد وصف بعض الفقهاء بأنه أصل القضاء نفسه.
 و ما دفع التحكيم ليحض بمكانة متميزة لدى الحضارات العريقة التي تعاقبت على العالم القديم هو شموله لعدة خصوصيات ايجابية جعلته يتبوأ مقدمة سبل فض نزاعات الأفراد. و يقول أرسطو في هذا السياق قولته الشهيرة ''بأن أطراف النزاع يستطيعون تفضيل التحكيم على القضاء، ذلك لأن المحكم يرى العدالة، بينهما لا يعتد القاضي إلا بالتشريع''، و من هنا نرى أن التحكيم كان محطة اهتمام منذ القدم لدى كبار الفلاسفة.
و عرف العرب قبل مجيء الإسلام و لا دل على ذلك احكام قريش إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل بعثته، عندما تنازعت الشرف في وضع الحجر الأسود في مكانه عند إعادة بناء الكعبة.
 و قد شرع الإسلام التحكيم لقوله تعالى : " قل و ربك لن يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما"(سورة النساء الآية 65).، و قولعه تعالى : "و ان خفتم شقاق بينهما بابعثوا حكمت من أهله و حكما من أهلها أن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما، إن الله عليما خبيرا" (سورة النساء الآية 35).
و بالرغم من أن التحكيم قد بدأ بسيطا بساطة المجتمعات البدائية، فإنه تطور و بالتالي ظهرت له صورا متنوعة ازدادت بتعقد المجتمعات المعاصرة.
 و جذير بالذكر ان اهمية التحكيم سوا على مسوى الداخلي او الدولي لا تكمن فقط في تبسيطه لاجراءات الفصل في النزاع المعروض عليه و امنا ايضا في التحرر من الشكليات المعقدة، فبإعماله يمكن الاطراف التنازعة من تفادي اختلاف الاجراءت و القواعد التي تختلف من دولة الى اخرى، إذ بغيابه  قد يؤدي  الامر في بعض الاحوال الى اهدار حقوقهم، كما من شأن اللجوء إلى ااتحكيم تحقيق التوازن بين الإعتبارات احترام سلطان الإرداة و ضروريات الخضوع للتنظيم القانوني في مجتمع معين، هذا فضلا على انه يفوم على عنصلاي السرعة و التخصص، فالسرعة تتحقق من خلال الإستعانة باجراءات تتسم بالسهولة و اليسر، أما التخصص فإنه يتجلى من خلال اعتماد المحكين اهل الخبرة و المعرفة في موضوع النزاع المعروض عليهم.[1]
و وعيا منه لأهمية التحكيم فإن المشره المغربي أخذ بعين الإعتبار منذ بداية القرن الماضي ايمانا منه في مساهمته الفعالة في فض النزاعات الأفراد لاعتباره كان راسخا في ثقافة سكان أغلب القبائل المغربية التي كانت تعيش تحت تنظيم الأعراف و العادات.[2]
 و تظهر أهمية القضاء الوطني بالنسبة للتحكيم في العلاقات المكرسة قانونا بينهما، و هو أن القضاء يمارس رقابة على التحكيم و قراراته، بحيث تميل أغلبية القوانين بجعلها رقابة دنيا مع ميل من الفقهاء إلى مزيد من الحد منها، كما أن للقضاء دور مساعد في تذليل العقبات التي تعترض التحكيم، و تكون الرقابة عموما لاحقة بعد انتهاء الهيئة التحكيمية من عملها، بينما تكون المساعدة في مرحلة ما قبل بدء اجراءات التحكيم، و أثناء قيام هذه الهيئة بأعمالها بحيث تتكفل المحكمة بتيسير الصعوبات التي تعترض التحكيم عموما.
    و تتجلى مساعدة القضاء للتحكيم في مظهرين أساسيين: أولهما يمكن في الإعانة على تشكيل هيئة التحكيم، و ذلك بتعيين المحكم الوحيد  ان لم يتفق الأطراف على تعيينه، أو بتعيين بحكم عوضا عن الطرف الذي لم يعين محكما من جهته، و باستبدال أحد محكمين
في حالة تعذر قيامه بمهامه لسبب موضوعي، أو لرفضه مباشرته، بينما ثانيهما يبرز في الإعانة على تنفسذ مقررات الوقتية و التحفيظية و غيرها من القرارات السابقة للبص النهائي للنزاع و التي يتخذها المحكمون.
 و قد تم جعل الرقابة القضاية مناسبة لمحايبة هيئات تحكيمية إذ تقوم سلطة الرقابة بنوع من التدقيق الذي يهدف إلى  البحث عن العيوب و الإخلالات و الـتأكد من مدا احترام الجهة مصدرة القرار الخاضع للرقابة و المقتضيات القاونوية ، مما يفضي حتما إلى تسليط جزاءات عليه.
 و تترجم هذه الرقابة من خلال أمرين انين : أولهما التذليل بالصيغة التنفيذية الذي يعتبر بمابة تأشيرة عبور بالنسبة للمقرر التحكيمي، بحيث بهذا الإجراء يخرج من دائرة الأعمال الخاصة إلى دارئرو الأعمال القضائية المحضة التي تسخر القوى العمومية لتنفيذ ما نطقت به على أساس أنه عنوان الحقيقة كما يوصف تذييل المقرر التحكيمي بالصيغة التنفيذية بأنه اجراء رقابي إذ أنه يهدف إلى تطبيق مقررات التحكيمية المخالفة لمبادئ النظام العام للدولة المراد تنفيذها داخلها. لهذا فهو مصفات لا يمر منها إلا المقرر التحكيمي المتوافق مع التوجهات الأساسية لهذه الدولة، أما المقررات التي يتم قبولها فهي تبقى خارج النظام القانوني دون أن يترتب عن ذلك بطلانها و مع ذلك يمكنها الحصول على الصيفة التنفيذية من بلدان اخرى في حالة كونها ذات طابع دولي. و عليه فإن غالبية التشريعات المقارنة المتعلقة بالتحكيم قد تميزت تكريس وصاية القضاء على التحكيم بحي تجسدت هذه الوصاية خصوصا عبر منح القضاء سلطة المراقبة القرارات التحكيمية.
 و تجذر الإشارة غلأى أن فقه و قضاء محاكم بعض الدول قد ساهم في الخروج بالتحكيم من وضع الوصاية إلى وضع الإستقلالية لاسيما فقه القضاء الفرنسي متوصل في ذلك لعدة نتائج تهم سلطات القضاء الرسمي إزاء التحكيم قبل انطلاق اجراءات التحكيم و أثنائها و بعد انتهائها.
 إلا أن الإقرار باستقلالية التحكيم لا يعني حتما عدم خضوع محكمي إلى أية ضوابط مهما كان نوعها و مصدرهاو انعدام الرقابة على أعمال المحكمين و اجتهادهم مطلقا، كما انه لا يعني رفع القضاء ليده بصفة كلية عن الموضوع و امتناعه عن اتخاذ ما تستوجب الأوضاع اتخذاها من الإجراءات لحماية حقوق الأطراف و مصالحهم و لو بصفة مؤقتة، فالصواب هو أن استقلالية التحكيم و اجراءاته لا يمكن إلا أن تكون نسبية و محدودة و نستنتج مما سبق أن مبدأ استقلالية اجراءات التحكيم الذي كرسته جل التشريعات ) 21 يونيو CNUDCI-UNCITRAL المقارنة إسوة بالقانون النموذجي الذي اعدته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (
1985.
و مهما يكن من امر فإن النظرة التقليدية لمؤسسة التحكيم و علاقة القضاء تعتبر أن المشهد القانوني في هذا المجال هو مشهد واضح تتميز فيه آلية الرقابة بوضوح عن ألية المساعدة و المساندة.
إلا أن قانون التحكيم في العالم برمته بما فيه المغرب سار نحو قرن هذه الوسائل التي أصبحت الحالات التي يتم فيها الجوء إلى القضاء لطلب المساعدة مناسبة لبسط مراقبته على بعض الجوانب في عملية التحكيم.


[1]  - voir citation à cette question par caprasse : « ....... certains travaux récnt en témoignnt , l’intéré potentiel du recours à l’arbitrage dans les litiges issus de la vie des sociétés est de plus en plus rapide que la justice étotique , l’arbitrage pourrait rendre de nombreux services aux parties impliquées dans de tels litiges »
Olivier caprasse , les sociétés et l’arbitrage, edition DELTA, 2002p1
[2] راجع د. عزيز الفتح، تاريخ المؤسسات و الوقائع الإجتماعية في الحضارات القديمة (الحضارة العربية الإسلامية- الحضارة المغربية) طبعة 2002- 2003 ص 179

هل الحكم الجمالي حكم ذاتي أم كوني ؟

هل الحكم الجمالي حكم ذاتي يختلف من شخص إلى آخر أم أنه حكم عام و كوني يتفق حوله الجميع ؟
          أثارنا الإنسان في لحظات عدة، و جمدتنا ظواهره على تأمل عميق غير ما مرة، تأملات بقيت مرادفة لقلق فلسفي فضولي دائم، تأملنا الإنسان في لحظات وجوده الأولى وعند بناء وعيه و تجمعاته، و تأملناه في لحظات بحثه عن البقاء بالتقنية و الشغل... و في اللحظة التي يتأمل فيها العقل الفلسفي حجم المخاطر التي تواججها الذات الإنسانية،انتبه إلى أن كل تلك المعاناة تعتصر من الإنسان أجمل ما فيه (الفن).                                                    
          سحر "الفن" يكمن في أنه كلمة تحس أكثر مما تسمع، و ترسم أكثر مما تكتب، و ترفع الأنتروبولوجيا من أهمية الموضوع حينما تتحفنا، بحقائق تكشف عن حجم سيلان الفن في الحياة اليومية للشعور منذ فجر التاريخ، إذ بالفن نحثت الحضارات ذكرياتها و أفراحها الكبرى  ومآسيها العظمى، أما علم النفس فيكشف في حديثه عن التحكم و التأثير في نفسية الذات و كذا عند حديثه عن العلاقات اللاشعورية بين الذوات –يكشف- عن قوة الرسالة الفنية و انعكاسات اللون و اللحن و الصورة في طبيعة شخصية الفرد.                                                
        و في خضم هذا الإنبهار الفلسفي بالموضوع، و لما اختلفت الشعوب حول معايير الأذواق، طفت على السطح اشكاليات حول معنى الجمال، وبدأ نقاش عميق عند الفلاسفة اليونان، لم يبرح منذ تلك اللحظة  و فرض نفسه بقوة مع الفلاسفة الألمان بالخصوص، كـ كانط و نيتشه ...، قلق فلسفي ننخرط في تحليله بعد صياغة إشكاليته كالتالي: ما الفن ؟ ما الحكم الجمالي ؟ إلى أي حد يمكن أن يوضع ''للعمل الفني'' معايير؟ و هل الحكم الجمالي نسبي يختلف من ذات لأخرى أم أنه مطلق يتفق حوله الجميع؟                                                   
           أطروحات عديدة تحملها الإشكالية تلك، نكتفي بأطروحة مفرضة محددة، مفادها  أن الحكم الجمالي حكم ذاتي خالص، و لا يمكن بأي وجه من الوجوه أن تضع جميع الذوات معايير و قوالب جاهزة قصد تحديد الحكم الجمالي.                                                         
                                           
         إذا كان الفن أو الجميل يحس ، و الإحساس لغة الوجدان فلا داعي لقراءة الأمر خارج الذات، إضافة إلى أن الفن أو الجمال ليس بمفهوم جامد سطحي ولا يقبل تعريفا واحدا و لا وجهة نظر موحدة، بل هو قيمة انسانية و مشرب كل ذات لتنفلت من سوداوية الواقع إلى روعة الجمال.                                                                                                  
        الفن و الإمتاع صفتان مترادفتان ينزعان بالذات إلى انتاج او عيش المتعة، و بالتالي فالحكم على لوحة أو لحن أو أي لون من ألوان الطبيعة و الفن، يبقى أمرا ذاتيا خالصا.          
       إنه لو اتفقت الأذواق على أحكام الجمال و القبح لرغب الجميع في وجه حسن واحد ورغب الكل عن وجه شؤم محدد. و لو كان الحكم مطلقا لحكمنا على التنوع الثقافي والحضاري بالموت، لأنه سيكون ثمة نفس اللباس و الزينة و الموسيقى و الرقص لدى كل البشر في كل الأزمان  و في مختلف الأوطان.                                                                     
        فحتى إذا توقفنا على مفهوم الفن و الحكم الجمالي فسنجد أن بينهما خط مثين يعزز الأطروحة السابقة، فالفن فاعلية انسانية تأخذ الوجدان منبعا لها، و تترجم الإحساس إما إلى إبداع مجرد ، أو إلى لمسة على المادة و بتعبير "كانط" فإن الفن هو نتاج عقلي تحكمه الطبيعة الانسانية، و بتعبير آخر إنه نوع من الوعي بالحياة وتجاوز لها بغية تحقيق نوع من السمو الى الكلي.         
         أما الحكم الجمالي فيمكن تعريفه على انه تعبير عن نظرة الفرد الى الاشياء او الاشخاص نظرة تقييم اخلاقية او استطيقية ، اما بالجمال و القبح او بالخي او الشر، منطلقا من الشعور بلذة ذاتية خالية من اي وازع نفعي او اي محدد موضوعي.                                                                                        
          و العلاقة بين المفهومين  تتجلى في أن الحكم الجمالي بدوره نوع من الفن و اقبال و توق له بل إن كل واحد منهما دليل على الآخر،  و يتقاسمان  صفة جوهرية أساسية تتجلى في أن كلاهما ينبعان من المتعة المجردة و الإحساس العميق، و ليست تحكمهما بالضرورة قواعد خارجية.                                                                                         
  
             أطروحة كهذه بموضوعيتها و قوة بنائها المنطقي  نجد لها ثقلا و مساحة مهمة ضمن خريطة التفكير الفلسفي و ذلك باختيار فيلسوف بحجم "إيمانويل كانط'' نفس ما سارت عليه الأطروحة المفترضة السابقة.                                                                        
        في كتابه "نقد ملكة الحكم"  يميز "إيمانويل كانط" الحكم الجمالي باعتباره حكم ذوقي وموضوع متعة فنية خالصة تخص ملكة الحكم عن المنفعة المادية كما يميزه  في ذوقه عن الحكم المعرفي الذي يقوم على الفهم في إدراكه للموضوعات الفكرية و الأشياء االخارجية . زيادة على ان الحكم الجمالي هو ذاتي خاص بخلاف الحكم المعرفي الذي هو موضوعي برهاني.                                                                                                 
          ولأن النقاش الفلسفي يرفض الدوغمائية فيمكننا القبول و  الوقوف على حدود هذه الأطروحة مع الإنجليزي "ديفيد هيوم'' الذي الذي اختار منحى تجاوز به نوعا ما، ربط الحكم الجمالي أو  الذوق بالذات بشكل تام، معتبرا أن المبادئ العامة للذوق هي مبادئ مشتركة إلا أن التقديرات الفنية و الحساسيات الجمالية تخضع للمتغيرات الاجتماعية و المزاج الشخصي والخبرات الفردية وهذا هو مصدر اختلاف الأحكام الجمالية بين الناس، أي أن الحكم الجمالي رغم أن في ظاهره يظهر أنه ذاتي محض، إلا أنه في الحقيقة يتأثر بالمحيط و الثقافة و الأحكام المسبقة و يتأثر أيضا بطبيعة العلاقة بين الذات و المحيط إضافة إلى تأثر الحكم الجمالي بفلسفة الشخص و نظرته للحياة.                                                                             
          و يظهر من خلال الموقفين أن الحكم الجمالي هو حكم ذاتي مشترك بالرغم من اختلاف أذواق الناس الذي يرجع أساسا إما إلى بنية ملكاتهم الذوقية بسبب أحكام مسبقة وانعدام الخبرة بالفنون أو غياب الحس الفني النقدي كما أن الحكم الجمالي يختلف عن الحكم المعرفي فإن كان الأول يتعلق بمشاعر اللذة و الإشباع أو الاستحسان و الاستهجان فالثاني يرتبط بالفهم ومعنى هذا أننا نفقد تذوق الجميل عندما نحاول فهم الأشياء التي نراها ونسمعها فالوردة عندما نشرحها مثلا لنعرف عناصرها الكيميائية لا ريب أننا نفقدها جمالها، إن الجميل غايته تنبع منه، يحملها معه، تكسوها ظلال وسحب من التأمل الفني الخالص.                                      
         إجمالا مما سبق و بعد تحديدنا للإشكالية الأساسية حول قضية الحكم الجمالية و ما تعبر عنه من حيرة فلسفية حول الأمر، توقفنا على أطروحة مفترضة طالما وجدت سندا كبيرا سواءا عند الفلاسفة أو عند العامة التي مفادها أن الحكم الجمالي أمر ذاتي نسبي،  و انعرجنا بعد تحديد المفاهيم على تيارين فلسفيين تيار يرى الحكم الجمالي ذاتي من محض يعبر عن حرية الفرد وتيار يعترض على الأمر بحجة أن ذوق الفرد يتأثر بالبيئة و الأحكام المسبقة.                   
         و أنا أعبرعن موقفي حول الأمر أجدني اقف على أفق أخرى للنقاش ربما أستطيع اختزال قلقي حياله كالتالي:هل استعدادنا للدفاع عن أطروحة ''نسبية الأذواق و القيم بين الأفراد'' نابع من دفاعنا عن حريتنا أم عن قبولنا لحرية غيرنا ؟

هل نحن مسيرون أم مخيرون في اختيار الدين ؟

أليس اعتناق هذا الدين دون ذاك مجرد صدفة جغرافية؟
ذ.محمد أيت الحافظ [1]
      Ait-elhafid@live.fr
         أليس اعتناق الأفراد للأديان مجرد صدفة و موروث ثقافي تم فرضه عن طريق التنشئته الإجتماعية لا غير ؟  تردد على مسامعي هذا السؤال مرارا و تكرارا و لي معه علاقة وطيدة خصوصا و أنه من الأسئلة الأولى و الأكثر إلحاحا التي ظلت أطرحها على نفسي دون أن أتوصل حينها لجواب و دون الجرأة أن أطرحه للعلن...                      
        بعد تأمل عميق و بحث متواضع، توصلت إلى أن هذا السؤال يحمل في طياته بعدين، متعلقين لا بالسؤال في حد ذاته بل بموقع السائل، و بالتالي تختلف الإجابة باختلاف موقعه، و لأن السائل إما أن يتساءل من داخل دين معين أو أن يكون موقعه خارج الأديان كلها و لا نتصور موقعا آخر غير هذين الموقعين.                                            
        فإذا افترضنا أن السائل في الموقع الأول، وجب على الدين الذي ينتمي إليه أن يقدم له  إجابات شافية و مقنعة، و تختلف مستويات الإقناع من دين لآخر، و نشير إلى أنه ليس هناك جواب مشترك ثابت تتقاسمه كل الأديان و لا يجب أن نفرض عليها أن تريحنا من البحث و نجبرها أن تقدم لنا إجابة موحدة ، و نحن كمسلمين من حقنا أن نطرح هذا السؤال على ديننا، و من حقنا أن نتلقى إجابات شافية.                                                  
        قبل الإجابة أفصل أكثر و أقول أن السؤال حتى بعدما حددنا الموقع يبقى مركبا، و يحتاج إلى تقسيمه  أولا، إذ يحمل قضيتين اثنتين و بالتالي سؤالين وهما : أولا –هل اعتناق الدين مجرد صدفة و موروث ثقافي  لا دخل لي فيه؟ السؤال الثاني: إذا كان ديني الذي ورثته هو الصحيح فما ذنب الآخرين الذين ورثوا غيره ؟                                     
   إجابة على السؤال الأول نقول:
       إذا كان الإسلام لا يحاسب الفرد على أمور عديدة يظهر أنها صدفة أو تختار الفرد و لا يختارها منها الأبوين و العرق و مكان و زمان الميلاد...، و نتفق على أن هناك بعدين آخرين يخضع لهما الإنسان عند الميلاد و هما المستوى أو الطبقة الإجتماعية و الدين لكن هذين المستويين يختلفان عن الأمور الأولى بكون ميلاد الفرد بين أحضانها لا يعني أن لا دخل له فيها بل نكاد نتفق على أن المترعرع في طبقة فقيرة جدا وجب أن يتحمل المسؤولية في تغييرها أو على الأقل الخروج منها و تحسين مستواه الذاتي، و نفس الأمر ينطبق على الدين و إن كان الأمر بطريقة مختلفة و أكثر عمق، إذ يجب على الفرد استعمال عقله  والتساؤل والبحث في دينه و مقارنته بالأديان الأخرى و النقد و التمحيص و تقديس كل سؤال ينتابه من أعماقه...،و عدم الإكتفاء بالتقليد الجامد لأن الأديان المبنية على أسس غير مثينة و غير صحيحة لا تقبل إلا التقليد و الصمت، بينما الدين المثين لا تخيفه الأسئلة بل يحبها و يعانق أصحابها، و تجد هذا الدين يجزي السائلين و مستعملي العقل خير جزاء، لأنه يعرف أنهم لا يبحثون إلا عن الحقيقة مستعملين ملكة العقل.                             
         و الدين الإسلامي هنا إما أن نجده دين ضعيف خائف من الأسئلة، محب للقليد الجامد و باغض للعقل، و حاكم على الناس بأن الدين صدفة و موروث لا يتغير، و يرفض طرح عليه الأسئلة متوعدا السائلين بالعذاب، و إما أن نجد الإسلام ضد الصدفة و التوريث و يجعل مسألة الدين مسؤولية فردية مبنية على العقل و البحث و التساؤل.                    
         يجيبنا الإسلام، أن أول شرط في معتنقيه هو  النضج العقلي، و الدليل أن الطفل الغير ناضج ذهنيا أو الإنسان المختل عقليا... لا يحاسبان و لا يؤخذان على درجة ايمانهما و لا على مدى تطبيقهما لتعاليم الإسلام، و بالتالي بمجرد أن ينضج الفرد يحمله الإسلام كامل المسؤولية الإيمانية، و هنا نجد و كأن الإسلام يتجاوز قضية الصدفة و يضع مبدءا أساسيا و هو أن أي شخص و من أي دين وجب عليه أن يتحمل مسؤولية ما يعتنق و يؤمن به، و إلا لو كان الأمر بالصدفة لوجدنا في نصوصنا الدينية عقاب ينتظر الطفل الصغير عند موته لا لشيء إلا لأن رياح الصدفة ظلمته.                                                            
       إننا نجد القرآن الكريم قد سبقنا إلى تقديم الأجوبة على هذه المسألة، إذ يرد على الذين يعلقون الأمر بالصدفة قائلا:                                                                 
       "ولقد ءاتينا ابراهيم رشده من قبل و كنا به عالمين إذ قال لأبيه و قومه ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون قالوا وجدنا ءاباءنا لها عابدين قال لقد كنتم انتم  و ءاباؤكم في ضلال مبين''. '[2]'  -  و قوله تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ.[3]                                       
         من خلال هذه الآيات نجد أن الإسلام كسر قاعدة التوريث الجامد للدين و بالتالي تجاوز قضية اتباع ما وجد الأبناء عليه آبائهم، و بنى قاعدة أساسية و هي أنه إذا كان العرق و الآباء و مكان و زمان الميلاد ... لا دور لنا في اختيارهم و بالتالي يمكن للبعض أن يسميها صدفة أو قدر أو ظروف تاريخية...أو أيا كان المسمى، فإن الدين من المنظور الإسلامي لا يشمله نفس المنطق لأنه يبقى في ميزان الشك المؤدي إلى الحقيقة و  المساءلة العقلية قصد التأكد و التمحيص وذلك لأن الإسلام أولا  لا يخاف من الأسئلة و لا يرضى لنفسه أن يسقط ضحية ما يحاربه أصلا و هو التوريث الجامد،  ثانيا لأنه يرى أن المعتقد اختيار و مسؤولية و منهج حياة و ليس مسألة هامشية.                                        
        إجمالا نرى و نحن داخل الإسلام أن هذا الدين، لا يؤسس نفسه على التوريث و لا يهمه إن كنت قد و لدت عن طريق الأقدار  أو الصدف مسلما أو بوذيا أو مسيحيا...، لكن ما يهمه هو الإختيار العقلي المسؤول الذي تبنيه عند اختيارك للدين.                         
الإجابة عن السؤال الثاني:
       إذا كان ديني الذي ورثته هو الصحيح فما ذنب الآخرين الذين ورثوا غيره ليدخلوا النار؟
        بداية نعيد و نشير إلى أن كلمة "التوريث" المذكورة في السؤال أعلاه، قد تناولناها  سابقا، إذ لا يجب على أي شخص التسليم بالمعتقد الذي وجده فقط لأنه ورثه، و بالتالي فالمسألة التي  تفرض نفسها هنا في السؤال ليس التوريث بل مسألة العدل، و لهذا يتحرك الوازع الاخلاقي و يفرض السؤال نفسه متسائلين عن مصير الذين ليسوا على دين الإسلام.                              
        ربما هذا السؤال أقل عمقا من السؤال السابق، لكن أهميته لا تقل ،فقد عاش بين ظهراني الكتب في التاريخ الإسلامي لقرون، و غالبا ما يطفو على أذهان العديد من الناس، فمنهم من يضمره و منهم من يبديه، و الإجابة عنه نستشفها من قراءتنا للعديد من الآيات و منها :                                                                                               
        قال الله تعالى: ( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ([4])                                                                                 
و قال تعالى :" وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا'' ([5])                                                                                          .
         و للعلماء المسلمون آراء عديدة في هذه القضية استشفوها من رحمة الله و سعة غفرانه و ميزوا بين ثلاث أنواع :                                                               
   النوع الأول  : صنف لم يسمع بالإسلام أبدا.                                                
     النوع الثاني : صنف يسمع عن الإسلام في حياته كما يسمع عن أمور عديدة لم يختبرها و لا يملك عنها أدنى معلومة.                                   
    
      النوع الثالث : صنف سمع بالإسلام و امتلك معلومات عنه لكنها معلومات زائفة ومشوهة لحقيقة الإسلام.                                                     
      النوع الرابع : صنف عرف الإسلام بحقيقته و لم تخفى عنه أية قضية و تبينت له كل البراهين، لكنه جاحد و أنكر إما لغرض تحقيق مصالح شخصية دنيوية أو لأهواء شخصية، و هذا النوع هو وحده من يشمله عقاب الله الوارد في عدد كبير من آيات القرآن و منها :                                                 
        - '' نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ{3} مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ{4}. ([6])          
        - و قال تعالى:   إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. ([7])                
       أما الانواع الثلاثة الأولى فهم معذورون و لا شيء عليهم في الدنيا ، أما في الآخرة فقد اتفقت أقوال العديد من العلماء الكبار ([8]) على مدى التاريخ الإسلامي استنادا إلى أحديث نبوية ، أن الله يمتحن أولئك يوم القيامة.                                                          
      يقول  الشيخ نوح علي سلمان:
            '' أ‌-  لا يُعذَّب على الكفر إلا من بلغته الدعوة الإسلامية، فمن لم تبلغه كالذين ماتوا في الجاهلية قبل الإسلام، أو بعد الإسلام، ولم يسمعوا برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ولا بدينه لا يُعذَّبون.                                                                        
             ب‌- أبناء الكفار إذا ماتوا قبل البلوغ لا يعذبون؛ لأن الإنسان لا يكلف بالأحكام الشرعية إلا بعد البلوغ. أما إذا بلغ وسمع بالإسلام فإنه يُحاسَب؛ لأنه بالبلوغ اكتمل عقله وعليه أن يفكر في أُمور الدين حتى يهتدي إلى الحق وهو الإسلام، وإن لم يسمع بالإسلام فحكمه ما ذكر في الفقرة."[9]                                                                      
  
          و في خاتمة هذا المقالة المتواضعة لا بأس أن نضع بين يدي القارئ بعض المراجع التي تناولت هذه القضايا  و فصلت فيها :                                             
            كتاب: ''فصل التفرقة ما بين الإسلام و الزندقة''  لــ : أبو حامد الغزالي.
            كتاب: طريق الهجرتين لــ : ابن القيم الجوزية.
            كتاب: فتح الباري لــ : ابن حجر.
            كتاب: حوار مع صديقي الملحد لــ : مصطفى محمود.
            كتاب: أضواء البيان لــ: محمد أمين الشنقيطي.


أستاذ الفلسفة – باحث.[1]
سورة الانبياء-  [2]
 سورة المائدة الآية 104[3]
  -سورة الإسراء الآية 15[4]
  سورة الكهف. الآية 49 [5]
  -سورة ال عمران: 3-4[6]
 سورة ال عمران: 177[7]
8  يذكر الدكتور ابراهيم عدنان  أن من هؤلاء: أبو الحسن الأشعري و أبو بكر البيهقي و الإمام ابن القيم و الإمام ابن تيمية و الإمام ابن كثير و الإمام ابن حجر و محمد أمين الشنقيطي.
  "  فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى العقيدة / فتوى رقم 5[9]