الاثنين، 23 يوليو 2018

من جرائم داعش.


البغي والفجور في الخصومة واختلاق الذرائع الكاذبة:


      يقول الإعلامي عبد الباري عطوان: "في العاصمة الأردنية عمان التقيت بشاب جاور في سجن "بوكا" العراقي السيد أبو بكر البغدادي الحسني القرشي حوالي أربعة سنوات، وأقام معه في زنزانة واحدة، وطلب منِّي عدم ذكر اسمه إلا بعد انتقاله إلى جبهات القتال أو استشهاده، قال ليَ هذا الشاب: إنَّ المجاهرة بالتوحُّش سيكون المنهج الذي تتبعه الدولة الإسلامية، لنشر الرعب والخوف، والهلع ضد الخصوم، وغير الخصوم، ولإرسال رسالة مفادها، أنَّ: كلَّ من يتعاون مع أعدائها سيواجه القتل بأبشع الطرق، وعليه الاستسلام..".([1])
     عندما تعجز داعش عن احتلال مدينة من المدن بالمكر والخديعة فإنها تلجأ إلى البغي والفجور في الخصومة، واختلاق الذرائع الكاذبة لتبرير غزو المناطق المحررة، فإذا كانت خصومتها مع فرد من كتيبة عسكرية تابعة لتنظيم مقاتل ضد النظام فإنَّها تستهدف الكتيبةَ كلَّها، وتحاربها حتى تستأصلها من جذورها، وتعتقل أو تقتل قادتها، وتشتّت مقاتليها، وتستولي على أسلحتها، وأموالها ومقراتها، وإذا أخطأ بحقّها فردٌ من سكان إحدى المدن فإنَّها تعاقب المدينةَ كلَّها، فتجتاحها وتحتلها، وتقضي على ما فيها من إدارات مدنية، وهيئات شرعية، وهي بهذا البغي والظلم لا تقلُّ فجوراً وإجراماً عن النظام الأسدي نفسه، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:-
أ- في منتصف أيلول 2013م أطلقت داعش حملة عسكرية ضد كتائب الجيش الحر في ريف حلب الشرقي تحت عنوان "نفي الخبث"، وقالت: إنَّها  تستهدف عملاء النظام الذين قاموا بالاعتداء السافر على الدَّولة الإسلامية في العراق والشام، وفي مقدمتهم كتيبتا الفاروق والنصر، وكانت الذريعة السخيفة حسبما جاء في بيان داعش: "محاولة أتباع النظام السوري اقتحام مقر الدَّولة في مدينة الباب، من خلال مظاهرة مسلحة خرجت أمام المقر، ثم قيام المتظاهرين بالاعتداء على جنودنا من أنصار ومهاجرين بالسبّ والشتم والضرب وإطلاق النار، ورمي القنابل وتحطيم المركبات. ولا شك أنَّ هذا كله كذب وتضليل، تبرر به داعش أفعال مجرميها والعاملين معها.
ب-  ومن الأمثلة المشهورة أيضاً الهجوم على لواء عاصفة الشمال في إعزاز بذريعة ملاحقة طبيب ألماني اتُّهم بالتجسس وتصوير مقر الدَّولة في المدينة، وقد أعلنت داعش الحرب على الأتارب بحجة أنَّ أحد أبناء المدينة رمى راية الدَّولة على الأرض، ورغم أن لواء أمجاد الإسلام (الذي يسيطر على الأتارب) أعلن موافقته على التعاون وتقديم المتهم إلى محكمة شرعية تختار هيئةُ النصرة قضاتها، إلا أنَّ داعش أصرت على غزو المدينة وسيّرت إليها الأرتال.([2])
ج- هروب المسؤول الشرعي السعودي في تنظيم داعش أبو علي الحربي، حيث تمكَّن من الفرار إلى الأراضي التركية؛ وسلَّم نفسه لسفارة المملكة العربية السعودية هناك، وجاء هروب الحربي بعد اكتشافه حقيقة عمالة تنظيم داعش لإيران وروسيا، وتلقيها الدعم منهما للفتك بالثورة السورية. وتغيير مسار الحراك العراقي.
د- نفذ تنظيم داعش كثيراً من الإعدامات الميدانية بحق العناصر الذين حاولوا الانشقاق عنه في ظل ارتفاع نسبة الانشقاقات التي لم تقتصر على العناصر، وطالت الإعدامات مسؤولين شرعيين وميدانيين وماليين، منهم أبو طلحة الكويتي الذي فرَّ إلى تركيا بمليون دولار من الأموال التي جمعها التنظيم.
ه- الدعوة إلى منع وصول السلاح لكتائب القسام وغيرها من التنظيمات المجاهدة في قطاع غزة: يقول القيادي في داعش أبو مصعب المقدسي: "نوجِّه إخواننا المجاهدين في سيناء ، وخاصة أنصار بيت المقدس إلى اعتراض شاحنات الأسلحة والصواريخ والمتفجرات التي تعبر من سيناء إلى غزة، لتصل إلى أيدي الفصائل الفلسطينية، وأضاف كذباً وزوراً فقال: هذا السلاح قد أذاق المسلمين ويلاته وأكثر من اليهود, ولكم سرقت حكومة حماس وحركتها من سلاح إخوانكم المجاهدين في غزة, ويكفي أنْ تعلموا أنَّ هذه الفصائل غير مستأمنة علي حياة أهالي غزة، فضلاً عن دينهم وجهادهم, ومسلسل خياناتهم لدماء وتضحيات المسلمين أشهر من نار علي علم - ليس هذا ما أنا بصدده الان- لكنَّ هذا الأمر مفروغ منه.([3])
و- ومن أمثلة الغدر الداعشي: مقتل القيادي في الجيش الحر عرابة إدريس الذي اختطفه التنظيم وقتله، يقول شرعي داعش أبو الوليد المقدسي: إنَّ مقاتلي داعش أخبروه أن عرابة إدريس هو من هاجم مقار التنظيم، وأنهم اعتقلوه، ثمَّ تبيَّن له عكس ذلك، فحكم المقدسي ببراءة إدريس وحكم على نفسه بالجلد، لأنَّه ضرب إدريس قبل محاكمته، إلا أنَّ الأمر لم يُنفَّذ وتمَّ قتل إدريس، بحجة أنَّه سيهاجم التنظيم إن أطلق سراحه. وأيضاً مقتل القياديٍّ في حركة "حزم" ويدعى المقنَّع، الذي لم يأمر المقدسي باعتقاله، ثم سمع باعتقاله ومقتله على يد مقاتلين في صفوف التنظيم، واستشهد على كلامه بشخصياتٍ بارزة في منطقة القلمون.([4])

 السرقة والسطو على المال العام:

     من الوسائل التي تستعين بها داعش لتعزيز مواردها أخذُ كل مال عام في سوريا، باعتباره حقاً لها، وربما مدَّت يدها أيضاً إلى المال الخاص، ومتى شاءت استلابَه من صاحبه، وضعت لنفسها ألفَ تبرير ولم يردعها شرع ولا قانون، اسألوا سكان المناطق المحررة كم من المصانع والمتاجر، والمساكن نُهبت؟، بحجة أنَّ أصحابها شبّيحة، أو موالون سابقون، أو نصارى لا ذمّةَ لهم ولا أمان، وكم من المنشآت الإغاثية والطبية صادرتها داعش أو خرّبتها، وأتلفت ما فيها من مواد وتجهيزات؟، لأنَّ الهيئات القائمة عليها لها صلةً بالدول الكافرة، أو بالائتلاف السوري المرتد.
        ولا يعرف لِمَ هم مغرمون بتدمير وتعطيل المستشفيات على الخصوص!، فما أكثرَ ما خرّبوه منها، أو سلبوا أجهزته ومعداته، وما أكثرَ ما احتلّوه وحولوه إلى مقرات!، إنَّهم يتركون الأبنية التي بناها النَّاس للتجارة والسكن، ويستولون على البناء الذي بُني وجُهِّز ليكون مستشفى يعالج النَّاس، ويخفف معاناتهم، فيعطّلونه ويحوّلونه إلى مقر عسكري لهم، أو يهاجمونه بأيِّ ذريعة سخيفة، كالاختلاط بين الرجال والنساء، أو الاستعانة بأطباء جواسيس من الكفار!
      قد لا يصدَّق أحد لو عرف عدد المستشفيات التي خربتها داعش تخريباً متعمداً، وكأنها موكلة بزيادة معاناة الناس ليسارعوا إلى الاستسلام! إنَّ عدد المستشفيات التي هوجمت وخُربت في الأيام العشرة الأخيرة من شهر كانون 2013م هي ثلاثة مستشفيات: مستشفى اليمضية في جبل الأكراد، وقد توقف عن العمل، ومستشفى الزرزور في حلب، وقد نجّاه مسكنة الله منهم بفضل الله تعالى، ثمَّ بفضل الكتائب التي سارعت لإنقاذه، ومستشفى الذي استغرق إنشاؤه عشرةَ أشهر وكلَّف عشرةَ ملايين ليرة سورية، فخرّبته داعش في عشرة أيام، وسرقت محتوياته وتجهيزاته، فلم تُبقِ فيه شيئاً يُستفاد منه، فضلاً عن الحقول النفطية، وصوامع الغلال التي استولت عليها في الرقة، ولا يعرف أحدٌ ما يفعَلون بمواردها على وجه التحقيق، وكذلك المخابز والمطاحن والمصانع، والصيدليات، ومستودعات الغاز التي استولت عليها في حلب، وغيرها من المناطق، حتى صار الناس يفرُّون من جماعة داعش بأموالهم وأملاكهم، كما يفرُّون من جيش النظام الأسدي، وحتى صار السوريون المساكين تحت سيطرتها كمَن خرج من تحت الدَّلْف فانتهى أمره تحت المِزراب!.([5])

 قتال التنظيمات الجهادية في سوريا، وسجنهم وإعدامهم:

    لقد ارتكبت داعش عشرات المجازر الدموية بحق التنظيمات العسكرية، التي تقاتل النظام السوري، وقتلت غدراً وبوحشية عدداً من قادة هذه التنظيمات، وكلَّما ارتكبوا مجزرة أصدروا بيانات تكفِّر من قتلوهم، والحكم عليهم بالردَّة أو العمالة للأمريكان، أو القول بأنَّهم صحوات، وغير ذلك من التهم الباطلة، لتبرير جرائمهم التي لا علاقة لها بدين أو خلق، وقد وثَّق بعض جرائمهم  الدكتور إبراهيم عبد الله سلقيني في صفحته الشخصية على "الإنترنت".([6]) وممَّا وقعت فيه داعش من إعدامات لمقاتلي المعارضين لنظام بشار الأسد ما يلي:
أ- نفَّذَ تنظيم الدَّولة الإسلامية أحكامَ إعدامٍ في الساحات العامة، كان معظمها لمقاتلين من الجيش الحر، والفصائل الإسلامية.
ب- أصدرت جبهة النصرة بياناً يوم الأحد 6/5/2014م جاء فيه "فبعد بلوغنا كلمة الشيخ الدكتور أيمن الظواهري حفظه الله، وشهادته لحقن الدماء، والاقتتال الدائر في الشام عامة، والمنطقة الشرقية خاصة، أصدرت جبهة النصرة بياناً أوضحت فيه امتثالها لأمرِ الشيخ أيْمنَ الظواهري، وأنَّها جاهزة لوقف القتال الدائر بشرط كفِّ جماعة الدَّولة لاعتداءاتها، ولكنْ ورغم ذلك كلَّه استمر عدوان جماعة "الدَّولة" على الريف الشرقي بدير الزور، قاطعين بذلك الطريق المؤدي إلى مدينة دير الزور والمرابطين الموجودين فيها، وقاموا بالأمس بتجهيز عشرات المقاتلين في مدينة معدان، فبان واتضحَ جلياً أنَّ اعتداءاتهم المتكررة لنْ تتوقف، وقد صدق ظنُّنا، حيثُ أغاروا صباح اليوم على جبهة النصرة في قرى: جزرة البوحميد، والكبر، والهرموشية في الخط الغربي لريف دير الزور، ممَّا أدى إلى استشهاد من المجاهدين السوريين  وإصابة وأسر العديد منهم.
ج- استهداف داعش لاجتماع قُطْريِّ لقادة الجيش الإسلامي وكوادره بعملية انتحارية أسفرت عن مقتل ٤٥ قائداً وشرعياً !!
د- من اختراق داعش للكتائب: أن أبا سليمان الخالدي شرعي النصرة في حمص كان يمنع الجيش الحر من الفتك بخوارج داعش بل يهدد بالوقوف معهم، فكان جزاؤه أن قتل ببشاعة من داعش، وتمَّ اعتقال مجموعته وهم أحد عشر مجاهداً، وسلبت أسلحتهم وأموالهم !!
ه- إلقاء القبض على أبي سعد الحضرمي الذي نُصبوه أميراً للدولة في الرقة بعد بيان البغدادي تحت ولاية أبي لقمان، لأنَّه التزم بالسمع والطاعة للدكتور الظواهري أمير القاعدة، الذي رفض فيه تمدد "الدَّولة" في سوريا، ولأنَّ أبا سعد الحضرمي صرَّح للشباب المجاهد أنَّه سيلتزم ببيان الدكتور الظواهري، يقول أحد مجاهدي جبهة النصرة :إنَّ أمير جبهة النصرة في الرقة قُتل غدراً ولم يرضوا أن نحاكمه، أو يحاكم أمام محكمة مشتركة.
و- قيام داعش بقتل الطبيب الدكتور أبي ريان حسين السليمان أحد قادة أحرار الشام الإسلامية، وقد تعرَّضت جثته على أيدي داعش إلى كثير من التشويه  والتمثيل؛ حيث أطلقوا عليه رصاصة متفجرة في رأسه، وعدة طلقات في الكف والأقدام، وقيام داعش بقطع أذنه بأداة حادة، كما قتلت داعش المقاتل محمد فارس من أحرار الشام، حيث قامت داعش بقطع رأسه كاملاً، وفصله عن جسده، ثمَّ قامت بالتنقل به داخل القرية مفاخرين بقتلهم أحد الروافض. وقد طالب الشيخ يوسف عبد الله الأحمد تنظيم دولة العراق والشام "داعش" بالقبول العاجل بمحكمة شرعية مستقلة علنية، للتحقيق في مقتل الطبيب الدكتور أبي ريان حسين السليمان أحد قادة أحرار الشام. وممَّا جاء في البيان: "إنْ كان للإخوة رأي آخر بُيِّن بالدليل الشرعي، فإنْ كان حقاً وجب قبوله، وإنْ جانب الحقَّ تمَّ مناقشته علمياً، أمَّا لزوم الصمت أو الاكتفاء بالبيانات غير الرسمية فليس شأن صاحب الحق، خصوصاً وأنَّ تعطيل إقامة المحكمة الشرعية المستقلة أصبح خطراً كبيراً، يهدد مشروع الأمة في الجهاد، وتحكيم الشريعة في الشام".([7])
ز- قيام القيادي في تنظيم الدَّولة بريف دمشق خالد العبداوي الملقب بـ"أبو حيدرة التونسي" بذبح الشاب عمر التوم أحد أفراد جيش الإسلام، وقد منعه من أداء الصلاة قبل ذبحه، ممَّا لاقى ردود فعل مستهجنة، حتى من بعض أنصار تنظيم الدَّولة في موقع "تويتر". وبعدها بفترة قتل المدعو "أبو حيدرة التونسي" مع مجموعة من مرافقيه إثر هجوم شَنَّه ما يعرف "جيش أسود الشرقية" على مواقع التنظيم في المنطقة.([8])
       وعقيب هذا الحادث الإجرامي أصدر منظِّر التيار السلفي الجهادي عمر محمود عثمان الملقب بأبي قتادة الفلسطيني فتوى بـتكفير عناصر تنظيم الدَّولة، الذين منعوا أحد أفراد جيش الإسلام من أداء الصلاة قبل إعدامه ذبحاً في ريف دمشق.
ح- ومن أمثلة ذلك أيضاً: مقتل عضو رابطة خطباء الشام الشيخ محمد أمين النجار، على أحد جبهات الجهاد في الريف الشمالي من حمص، إثر غدر أفراد عصابة داعش به، بعد تمكنهم منه، وإعطائه الأمان، فقُتل غدراً هو وصاحبه المجاهد البطل صالح العلوش. والشهيد- بإذن الله- من خيرة طلبة العلم والباحثين الشرعيين، وقد فاز مؤخراً في المركز الثالث في المسابقة السنوية الأولى لدراسات المنبر.([9])
ط- قتال داعش لتنظيم جماعة أنصار الإسلام في العراق، وقد صدرت عدة بيانات عن جماعة أنصار الإسلام في العراق، تشكو فيها من تصرفات ومواقف جماعة الدولة الإسلامية في العراق، وجاء في واحد منها: "إنَّ الإشكاليات في الساحة المشتركة للعمل في العراق مع مجاهدي دولة العراق الإسلامية وصلت إلى حد لا نراه صالحاً أو مرضياً، وقد دفعتنا الضغوطات المتوالية إلى حَدٍ لا يحتمله حليم، ممَّا أوجب علينا تبديل تعاملنا وخطابنا إلى صفة العدل وأسلوب المكافأة، بدلاً من العفو والمسامحة، مع الالتزام بالقضاء الشرعي، والالتزام بالثوابت. وتتمثل هذه الإشكالات:
1- محاربة مجاهدي جماعة أنصار الإسلام إلى حد إهدار دمائهم المعصومة، وقد وقع ذلك، ووصل الأمر في الآونة الأخيرة إلى استهداف قياداتنا الميدانية.
2- الضغط والاضطهاد على المعتقلين من جماعة أنصار الإسلام في السجون الأمريكية سابقا والعراقية حاليا من قبل أفراد دولة العراق الإسلامية ضغطاً يصل إلى حد التهديد بالقتل والتكفير والعزل والمنع من إعطاء الدروس الشرعية وغير ذلك.
3- إكراه مجاهدي جماعة أنصار الإسلام على نقض بيعتهم، وعقد بيعة لجماعة الدولة، أو قعود مجاهدي الأنصار عن القتال، وإلاَّ فالتهديد بالقتل .
4- الضغط والمحاربة الاقتصادية الدائمة، واستحلال ممتلكات الأنصار، واستباحة أموالها، وهذا من الظلم بحق جماعة أنصار الإسلام. ([10])
      ومن هنا نفهم ما قاله منظِّر الجهادية السلفية عبد المنعم مصطفى حليمة المشهور بأبي بصير الطرطوسي: "فإنْ لم تمسك جماعة الدَّولة المسماة بداعش عن بغيها وظلمها وعدوانها، وتكف أذاها وشرها عن الشام وأهل ومجاهدي الشام، وتُصغي إلى خطاب النقل والعقل، الذي وجهه إليها بعض العقلاء والفضلاء، فإنَّه يجب شرعاً على جميع مجاهدي أهل الشام قتالهم، ورد عدوانهم، وهو من الجهاد في سبيل الله، ونشهد حينئذٍ  شهادة عامة جازمين ومستيقنين أن قتلى مجاهدي أهل الشام مأجورون، وهم شهداء بإذن الله..  وقتلى داعش آثمون، وهم في النَّار، بل ومن كلاب أهل النَّار. وهم في قتالهم لأهل وجند الشام، قد وقفوا في صف الطاغوت بشار الأسد في قتاله وحربه لأهل الشام،  ونردِّد ما قاله الحبيب صلى الله عليه وسلم :"طوبى لمن قتلهم وقتلوه".([11])
تاسعا: انفكاك جهة التأصيل عن جهة التنـزيل:
     لقد أصدرت "وزارة الهيئات الشرعية في دولة العراق الإسلامية" كتاباً تحت عنوان "إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام" أعدَّه "مسؤول الهيئة الشرعية"، بيَّن فيه النظرية التي اعتمدها المجاهدون في إقامة دولتهم الإسلامية في الواقع، وكشف الأسباب والدواعي التي وفرت الظروف المناسبة لبروز هذه الدَّولة. ومن خلال دراسة الكتاب تبيَّن احتواؤه على عدة مغالطات فقهية وفكرية.
     فعند مقارنة الأدلة التأصيلية في البحث بالموضوع الذي سيقت لأجله نَصِل إلى نتيجة واحدة، هي أنَّ الأدلة التي استدلوا بها في جهة والدَّولة في جهة أخرى! وأمثلة ذلك:-
أ- من ذا الذي يخالف في وجوب إقامة الدَّولة التي يحكم فيها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن أهذه هي الدَّولة التي دلَّت عليها تلك الأدلة؟ وهل أركانها المؤصلة في مراجع أئمة أهل العلم الشرعي هي أركانها الموجودة على الأرض اليوم؟ لا أحد يخالف في وجوب وجود أهل الحل والعقد، لكن لِمَ تُنَزِّل صفات أهل الحل والعقد على صحبك هؤلاء الذين زعمت أنَّهم بايعوا البغدادي خليفة للمسلمين؟.([12])
        لقد بشَّرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بعودة دولة العدل الإسلامية وإقامة دولة الخلافة في بيت المقدس، فعن عبد الله بن حَوَالَةَ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ، فَقَدْ دَنَتٍ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ، مِنْ يَدَيَّ هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ".([13])
     وفي الحديث عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ".([14])
      يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -بعد أن ذكر أحاديث فضل الشام وبيت المقدس- : "وقد دلَّ الكتاب والسُنَّة وما روى عن الأنبياء المتقدمين عليهم السلام، مع ما علم بالحس والعقل وكشوفات العارفين أنَّ الخلق والأمر ابتدآ من مكَّة أم القرى، فهي أمّ الخلق، وفيها ابتدأت الرسالة المحمدية، التي طبق نورها الأرض، وهى التي جعلها الله قياماً للناس إليها، يصلون ويحجون، ويقوم بها ما شاء الله، من مصالح دينهم ودنياهم، فكان الإسلام في الزمان الأول ظهوره بالحجاز أعظم، ودلَّت الدلائل المذكورة على أنَّ ملك النبوة بالشام، والحشر إليها، فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والأمر، وهناك يحشر الخلق، والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام، وكما أنَّ مكة أفضل من بيت المقدس، فأوّل الأمة خير من آخرها، وكما أنّه في آخر الزمان يعود الأمر إلى الشام، كما أسرى بالنبي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فخيار أهل الأرض في آخر الزمان ألزمهم مهاجر إبراهيم عليه السلام، وهو بالشام".([15])
ب- تحدَّث كتاب شرعيي داعش "إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام" عن الطائفة المنصورة، ولا شك أنَّ ثمَّة طائفة منصورة، لكنْ لِمَ تثبت أنَّ طائفتك هذه هي المقصودة تحديدًا في الأحاديث الصحيحة، وهل الطوائف الأخرى ليست بمنصورة ما لم تنضم لجماعتك!؟
ج- لِمَا ذهب صاحب كتاب "إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام" إلى أنَّ البيعة واجبة لكم على جميع الفصائل؟ فأين الأدِّلة الشرعية التي توجب ذلك؟!
د- إنَّه يثبت حكم السمع والطاعة بالأدلة، ثمَّ يحوِّل الوجوب لهم؟ ويثبت حكم الزكاة، ثمَّ يحوِّل وجوب أدائها لهم؟ ويثبت حكم الهجرة، ويحوِّل وجوب الهجرة لهم... ومن لا يرى هذا الرأي، ويلتزم بمقتضاه، فيزعمون أنَّه لابد أن تجري عليه الأحكام الشرعية الدنيوية متى قدروا عليه، بينما الأحكام الأخروية عند الله تعالى... وهكذا فهذا وأمثاله من شرعيي الدولة يستدلون بالكتاب والسنة، ويذكرون أقوال العلماء، لكنَّهم ينزلونها في غير محلها.([16])







[1]- الدولة الإسلامية الجذور – التوحش- المستقبل: عبد الباري عطوان، دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى 2015م ص 18.
[2]- انظر: تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام النشأة - التوسع – الدور المرسوم لها ضد الثورة السورية: د. محمد علي الأحمد ص 23-24.
[3]- نصائح لمجاهدي مصر، أبو مصعب المقدسي، مؤسسة الوغى الإعلامي، انظر موقعها على "الإنترنت".
[4]- نشرت شهادة أبي الوليد المقدسي عدة موقع إخبارية على "الإنترنت"، منها وكالة سهم الإخبارية، والإخبارية اللبنانية.
[5]- انظر: إعلانُ مشروع داعش: احتلال سوريا (القصة الكاملة) 2/2: الأستاذ الناشط السوري مجاهد مأمون ديرانية.
[6]- صفحة الدكتور إبراهيم عبد الله سلقيني (http://isalkini.com/).
[7]- موقع مفكرة الإسلام على "الإنترنت"
[8]- المصدر السابق.
[9]-  انظر بيان رابطة خطباء الشام "بيان تعزية باستشهاد الشيخ محمد أمين النجار"، مصدر سابق.
[10]- انظر بيانات جماعة أنصار الإسلام في العراق: موقع عرين المجاهدين https://al-aren.com/vb/showthread.php?t=955
[11]- انظر بيان أصدره عبد المنعم مصطفى حليمة المشهور بأبي بصير الطرطوسي. بتاريخ 14/1/2014م.
[12]- انظر الدَّولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم ص 15-16.
[13]- رواه أحمد بسنده (5/288)، وصححه الحاكم والألباني في صحيح الجامع 7838.
[14]- رواه الإمام أحمد في المسند 5/269، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة: محمد ناصر الدين الألباني 4/456.
[15]- مجموع الفتاوى 27/43-44.
[16]- انظر الدَّولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم ص 15-16.



أ. د صالح حسين الرقب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق