الاثنين، 23 يوليو 2018

تاريخ داعش : محكمة شرعية مستقلة للفصل بين التنظيمات الجهادية.

       لمَّا كان موقف الدَّولة "داعش" من التنظيمات العاملة في الساحة السورية موقفاً سلبياً تداعى عددٌ من العلماء إلى إنشاء محكمة شرعية مستقلة علنية للفصل في النزاع الحاصل بين الدَّولة وغيرها من التنظيمات الجهادية، ومنها جبهة النصرة، ولكنَّ تنظيم الدَّولة رفض الاحتكام لهذه المحكمة الشرعية، إلاَّ بشروط خاصة يريد فرضها على الجميع، وقد أصدر مجموعة من العلماء بياناً، يوضحون هذا الأمر.

     قال الشيخ يوسف الأحمد – أحد الموقعين على البيان- : "إنَّ الواجب الشرعي المتعين على إخواننا في الدَّولة هو القبول العاجل بمحكمة شرعية مستقلة علنية، لا سلطانَ عليها إلا سلطانُ الشريعة، يتفق على اختيار قضاتها أهل الشوكة والحُكم من جميع الجماعات الجهادية، يخضع لحكمها الكبير قبل الصغير، والشريف قبل الوضيع، والأمير والقائد قبل غيره، أمَّا رفضها أو الصمت عنها، فهو نوع من تعطيل الحكم بالشريعة كما هو مشاهد؛ فإنَّ الحقوق في الدماء والأموال والأعراض تضيع أمام الجميع بسبب رفض المحكمة المستقلة"، ولكنَّ البغدادي رفض هذا الاقتراح، وأصرَّ على رأيه في حلِّ جبهة النصرة، وضمِّ عناصرها لجماعة الدَّولة.
      وأطلق الشيخ الدكتور عبد الله المحيسني([8]) مبادرة بعنوان: "مبادرة الأمة" للإصلاح، وحقن الدماء المعصومة، فقال: "فأطلقنا (مبادرة الأمة)، واشترطنا فيها أن يكونَ القضاةُ ممن عُرف منهجُهم، لاسيما في مسألةِ تحكيمِ شرعِ اللهِ تعالى، والكفرِ بالطاغوتِ، ونبذِ كلِّ ما يخالفُ المشروعَ الإسلاميَّ، فلا يخفى أن الخللَ في منهجِ القضاةِ سينسحبُ على ما يَصدرُ عنهم من أحكام، وعرضنا مدةً لقبولِ هذه المبادرةِ، فإذا بالأمةِ وعلمائِها يؤيدونها وعلى رأسهِم علماءُ كبارٌ ابتُلوا في ذات الله بلاءً عظيماً... ثمَّ أعلنتِ الجماعاتُ المختلفةُ بصالحِها وطالحِها القبولَ بشرعِ الله حكماً بينها؛ لينتهي الخلاف في الشام، ولنعود لقتال النظام النصيري الذي قد بغى وطغى على المستضعفين الذين أردنا نصرتهم، فوافقت كلُّ الكتائبِ على التحاكمِ لشرعِ الله، أما إخوانُنا في الدَّولة “هداهم اللهُ فقد أصدروا بياناً مفادُه عدمُ القبولِ بالتحاكم لشرعِ الله إلا بشروط فرضوها على خصومهم، وأقولُ مُعلِّقاً على هذه الشروط – يقصد شروط داعش على قبول التحكيم الشرعي-: إنَّ هذه الشروط ليست في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم".([9])

وهنا  لابد من كلمة:

     إذا كانت الدَّولة الإسلامية تدَّعى أنَّها ما أعلنت عن نفسها إلاَّ لتحكيم الشريعة الإسلامية؛ فلماذا ترفض النزول على حكم الشرع الإسلامي، والجلوس لمحكمة شرعية مستقلِّة؟!، ولماذا تعلل داعش رفضها الاحتكام لمحكمة شرعية بحجَّة أنَّ الخصم مرتدٌ أو عميلٌ، أو أنَّ الحَكَم ليس من "أهل المنهج"؟؛ أوليس برفضها تحكيم الشرع عند الاختلاف والتنازع سيوقعها فيما تحكم به على غيرها "الكفر بحاكمية الله تعالى"؟. أم أنَّ دعوتها لتحكيم شرع الله تعالى هو مجرد شعار ترفعه، لجذب الشباب المسلم والتغرير بهم؛ أليس من أظهر علامات المنافقين التهرب من تحكيم شرع الله تعالى، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً) النساء:61، وإذا كانت دولة الخلافة ترفض تحكيم الشرع فمَن الذي سَيُحكِّمُه إذن؟!!.
       وقد كشف الشيخ عبد الله المحيسني عن مساعيه لقبول جماعة الدولة لتحكيم شرع الله بينهم وبين التنظيمات المقاتلة في سوريا، وبيَّن أنَّها هي التي ترفض تحكيم شرع الله تعالى، فقال: "كتبت تغريدات أدعوا فيها لمحكمة مستقلة، تحكم بشرع الله، فاستجاب الجميع ما عدا الدولة.! وذهبت للأنباري فقلت: يا شيخ أنت قلت: أنكم ستقبلون؟! قال لي: لكن لا يوجد أحد يمكن يقوم بهذا الدور، وأنت ترى الفصائل وسوءتها، قلت: صدقت، لكن المحكمة ستكون قاضياً منكم، وقاضياً من النصرة، وقاضياً من الجند، وقاضياً من شام الإسلام، وقاضياً من الصقور، فقال: لكنَّ النصرة عصاة وفيهم، وفيهم.. قلت: لا ضير محكمة منكم، ومن الجند والصقور، وتكون للساحة جمعاء !!قال: الجنــد والصقـور فـصائل صغيـرة غيـر معتبرة، قلـت: لا ضيـر، - تأملوا يا إخوة وأنا مستعد للمباهلة على كل حرف منها- قلت:  إذن يكون القاضي العلامة العلوان، قال: صعب وبعيد، قلت: الإخوة في اليمن والشيخ الربيش يرسلون لنا لجنةً من عندهم، قال: كلُّ ذلك لا يجدي، لكن إذا وقع خلاف نشكِّل محكمَّة، قلت: خيراً إن شاء الله، وحزنت.([10])

وهنا لنا ملاحظة أخرى:

       سبق أن عرفنا أنَّ تنظيم دولة العراق الإسلامية خرج من عباءة تنظيم القاعدة، وتمَّ مباركته من قياداته، وأنَّ جبهة النصرة تمَّ إنشاؤها من قبل تنظيم دولة العراق الإسلامية، ولذا فمن حقِّ المرء أن يتساءل: لماذا انقلبت الدَّولة الإسلامية بعد تمدُّدها في سوريا، لتكون خصماً عنيداً لتنظيم قاعدة الجهاد التي انبثقت عنه، وكانت تسير وفق منهجه الفكري، ولا تخرج عن رأي قيادته المتمثلة في الدكتور أيمن الظواهري، ومَنْ معه من القيادات الفكرية للقاعدة؟!، ولماذا انقلبت على جبهة النصرة التي قامت بإنشائها!؟، وخاضت داعش معها معارك ضاريةً، وقتلت من جبهة النصرة أعدداً كبيرةً – 700 مقاتل، كما قال الجولاني في مقابلة مع فضائية الجزيرة- ؟!! ممَّا حدا بمنظري التيار الجهادي بإصدار البيانات والفتاوى التي تدعو إلى عدم مبايعة الخليفة البغدادي، وأنَّ بيعته باطلة، وأنَّه هو وجماعته هم من الخوارج الذين يجب قتالهم، وأنَّ قتلاهم في المعارك مع التنظيمات الأخرى في النار، بل من كلاب أهل النار، على حدِّ كلام أبي بصير الطرطوسي.
      ثمَّ أليس هذا دليلاً على أنَّ الدَّولة الإسلامية قد تمَّ اختراقها على مستوى القيادة من أجهزة مخابرات معادية، أم هي مصطنعة من الغرب الصليبي المعادي للإسلام، وتمَّ توجيه الدَّولة الإسلامية، لتقوم بدورها الذي أنشئت من أجله، وهو خدمة المخططات المعادية لدين الله عز وجل، والحيلولة دون سقوط النظام السوري المجرم، فأخذت تكفِّر قيادة تنظيم القاعدة وجبهة النصرة، والمنتمين لهما، وتستحل دماءهم، وتقع فيهم قتلاً وتعذيباً ومطاردة، كما هو واقع الحال، خاصة في سوريا.


أ. د صالح حسين الرقب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق