الاثنين، 23 يوليو 2018

تاريخ داعش : جبهة النصرة.



ثانياً: نشأة تنظيم جبهة النصرة:

   بعد الأحداث الجارية في سوريا، وقتال الجماعات الثورية والجيش الحر للنظام السوري، اتجهت أنظار عناصر دولة العراق الإسلامية إلى سوريا، لكن تخوّف العقيد حجي بكر من تسرب عناصر "الدولة الإسلامية في العراق" للجهاد في الشام، ممَّا قد يسبب تصدَّعاً في "الدَّولة"، ويعطي بعض القيادات والأعضاء الذين يفكّرون في الانشقاق باباً لذلك عبر سوريا. لذلك حرَّم أمير الدولة أبو بكر البغدادي الذهاب إلى سوريا، وعدَّ كلَّ من يخالف التعليمات منشقاً، مبرراً ذلك بأنَّ الأوضاع لا تزال غير واضحة المعالم ويجب التريُّث.
       في هذه الأثناء عرض العقيد حجي بكر فكرة تشكيل مجموعة من غير العراقيين تتوجّه إلى سوريا بقيادة سوري، وبذلك يحال دون التحاق أي قيادي عراقي بالجبهة السورية من دون إذن مسبق، وبالتالي يتمُّ تأمين عدم انشقاق عراقيين عن "الدَّولة"، فيما يمكن للقيادة الجديدة في الشام أن تنجح في استقطاب أعضاء غير عراقيين من الخارج، فقام أبو بكر البغدادي زعيم دولة العراق الإسلامية بإرسال أبي محمد الجولاني مع سبعة أو ثمانية آخرين إلى سوريا، أغلبهم سوريون،([1]) دون إعلان رسمي لتأسيس قاعدة للجهاد في سوريا، ويقال: إنَّه أتت أوامرٌ من الدكتور أيمن الظواهري بإرسال مجموعة مقاتلين لسوريا، وبذلك تمَّ تشكيل جبهة النصرة لأهل الشام أواخر سنة 2011م، وتم الإعلان عنها رسمياَ في يناير عام 2012م، وفي نهاية نفس العام سرعان ما نمت قدراتها، لتصبح في غضون أشهر من أبرز القوى المقاتلة في سوريا، تنظيماً وتسليحاً، وإدارةً متميزةً للمناطق التي تُحرُّرها من النظام السوري.([2])
      هكذا أُنشئت "جبهة النصرة" بقيادة أبي محمد الجولاني، وسرعان ما طار اسمها عالمياً، وباتت قبلةً لكثير من الشباب المجاهد من دول الخليج، وتونس، وليبيا والمغرب، والجزائر، واليمن، وأوروبا، وقد تأسَّست جبهة النصرة من زعماء سوريين، بينهم من كان معتقلاً في السجون السورية، ممَّن استفاد من العفو العام، وبينهم من كان يمارس الدعوة سراً في سوريا قبيل اندلاع الثورة المعارضة للنظام، وآخرون كانوا منضوين تحت لواء القاعدة، وقاتلوا في بلدان أخرى كالعراق، وأفغانستان، والشيشان، وعادوا مع بداية الأزمة في سوريا للقتال فيها، ومنهم أمير جبهة النصرة أبو محمد الفاتح الجولاني، وهو جامعي سوري الأصل، قاتل في العراق والشيشان، وبلدان أخرى، كما انضمَّ لجبهة النصرة عددٌ كبيرٌ من المسلمين غير العرب.
      قد أعلنت جبهة النصرة منذ أوَّل تأسيسها أنَّها دخلت سوريا لتأييد الثورة السورية ودعمها، وقد أبدى السوريون ثواراً وشعباً وقيادات سياسية إسلامية وغير إسلامية ترحيبهم بها، وكان السوريون يظهرون هذا الترحيب أمام وسائل الإعلام، ويدافعون عن مواقف جبهة النصرة ووجودها في سوريا، ويرفضون أيضاً اتهامات الغرب لها بأنَّها متطرفة أو متشددة، أو أنَّ تَدخُلها في سوريا غير مشروع، وغير ذلك من الاتهامات والأباطيل التي ينسجها الغرب ضد جبهة النصرة، والمجاهدين الذين جاؤوا من أنحاء العالم، لتأييد الثورة السورية ونصرتها، كما كان يصرِّح قادة الثورة السورية أنَّ جبهة النُّصرة جاءت تناصر الشعب السوري في ثورته العادلة، وأنَّها تقاتل مع  الشعب السوري ضد النظام الإجرامي، ومن معها من المليشيات الإيرانية، لذا فهي مرحب بها، وهي جزء من فعاليات الثورة السورية.([3])


[1]- راجع لقاء أبي محمد الجولاني مع تيسير علوني علي فضائية الجزيرة.
[2]- انظر حول داعش كما يذكر مجاهد خرساني: أبو أحمد مِنْ مُجاهدي خُراسان والعراق والشام الآن، مُراجعة وتعديل: أبو طلحـة مـالك إحْسان العـُـتيْـبي. والدولة الإسلامية الجذور-التوحش المستقبل: عبد الباري عطوان، دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى 2015م دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى 2015م ص 60.
[3]- تنظيم الدَّولة الإسلامية في العراق والشام النشأة -التوسع– الدور المرسوم لها ضد الثورة السورية: د. محمد علي الأحمد.


أ. د صالح حسين الرقب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق