الاثنين، 23 يوليو 2018

تاريخ داعش : الخلاف بين تنظيم القاعدة وتنظيم الدَّولة الإسلامية:


الخلاف بين تنظيم القاعدة وتنظيم الدَّولة الإسلامية:

        بعد أن أعلن أبو بكر البغدادي عن الاسم الجديد "الدَّولة الإسلامية في العراق والشام" أعلنت جماعة "قاعدة الجهاد" أنَّه لا صلةَ لها بجماعة الدَّولة الإسلامية في العراق والشام، وذكرت في بيان أصدرته أنَّها لمْ تُخْطرْ بإنشائها، ولم تُستأمر فيها، ولم تُستشر، ولم تَرْضَها، بل أمرت بوقف العمل بها، وأنّ تنظيم قاعدة الجهاد لا تربطه بها علاقة تنظيمية، كما أنَّه ليس مسؤولاً عن تصرفات الدَّولة الإسلامية في العراق والشام، وإنَّ أفرع تنظيم قاعدة الجهاد هي التي تعلنها القيادة العامة لتنظيم القاعدة، وتعترف بها، وبدأ منظرو تنظيم القاعدة بإصدار البيانات والفتاوى التي تبيِّن موقفها من إعلان قيام الدَّولة الإسلامية في العراق والشام، ومن أفكارها وتصرفاتها، وعلاقاتها مع التنظيمات والجماعات الجهادية في سوريا. وقابل منظرو داعش بيانات القاعدة ببيانات وتصريحات يردًّون فيها عمَّا صدر عن تنظيم القاعدة، وغيرها ممن أنكر عليها.([1])
      ومن ذلك ما قاله أبو محمد العدناني وبلغة التّحدي مخاطباً الظواهري: "إذا قدّر الله لك أنْ تضع قدمك على أرض الدولة الإسلامية، وجبتْ عليك البيعةُ لقائدها، والتحول إلى جندي من جنودها، تحت راية أميرها الشيخ أبو بكر البغدادي"، وفي بيان أصدره في أبريل 2014م قال العدناني: "إنَّ تنظيم القاعدة لم يعد قاعدة للجهاد الحقيقي، وإن قيادته أصبحت فأساً لتدمير مشروع الدولة الإسلامية، والخلافة القادمة... وإن قيادتها انحرفت عن الطريق الصحيح، وأنَّ الدولة الإسلامية باقية على منهج الإمام الشيخ أسامة بن لادن.([2])
       وانتقد الزعيم الروحي لتنظيم القاعدة في اليمن الشيخ حارث بن غازي النظاري - في بيان منشور على أحد حسابات التنظيم في الانترنت الجمعة 21 نوفمبر/تشرين الثاني- سعي تنظيم "الدولة" وبـقوة لتوسيع منطقة نفوذ،. وقال النظاري: إن مثل هذه النوايا التوسعية لــــــ"الدولة الإسلامية" هي دق إسفين بين الجماعات الجهادية، وأوضح "النظاري" منتقدًا تنظيمَ "الدولة"، أنَّ التنظيم دأب في الفترة الماضية على الطعن في أنصار الشريعة، واتهامهم بالانحراف، وتغيير المنهج، معلقًا: "اتهموا قاعدة الجهاد بالانحراف، وتغيير المنهج، وصفحنا عنهم، لكنَّهم عادوا بفتوى تُلزم الأمةَ ببيعة الخليفة، وألغوا شرعية كل الجماعات الإسلامية الجهادية والدعوية". 
     واعتبر حارث النظاري أنَّ خلافة "البغدادي لم تستوف الشروط المطلوبة من دفع العدو الصائل، وتوفير الحماية للمسلمين، وغيرها من الشروط، كما أكدَّ أنَّ إعلان التَّمدد في بلدان ليس لهم سلطة عليها، كمصر، وليبيا، واليمن، والجزائر، هو مخالف للشرع، ومن شأنه خلق فتنة كبيرة بين المجاهدين في تلك البلدان، واستشهد الشيخ النظاري على بطلان بيعة "البغدادي" بما أُثر عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب قوله: "من بايع رجلًا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع، هو ولا الذي بايعه".([3]) وأضاف الشيخ النظاري: إنَّ مجلس شورى تنظيم "الدولة" لم يَستشر أحدًا من أهل الحل والعقد في بلاد المسلمين، ولم يشاوروا أي عالم يُشهد له بالخير بين المسلمين، ولا حتى قيادات الجماعات الجهادية والإسلامية بشكل عام.([4])
       وقامت مجلة داعش الصادرة باللغة الإنجليزية، التي تُعرف باسم دابق، بتصوير الظواهري كرجل لعوب وكاذب، وفي الطبعة السابعة: وصف تنظيم الدولة الإسلامية الظواهري بالمنحرف، عن طريق اتهامه بأنّه تخلى عن التراث النقي، الذي تركه أسامة بن لادن، واتهمته بأنَّه حوّل تنظيم القاعدة إلى عقيدة خاطئة، من جانبه، وصف زعيم القاعدة د. الظواهري مقاتلي الدولة الإسلامية بالخوارج، وبالمتطرفين المتمردين، كما وجّه الجولاني وقيادة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الكثير من الانتقادات إلى أبي بكر البغدادي.
        وهنا بيان بأبرز مخالفات دولة داعش لقيادة تنظيم قاعدة الجهاد:
1- ثبت أنَّ مشايخ تيار السلفية الجهادية قد تبرؤوا من منهج هذا التنظيم، وصرَّحوا بمخالفتهم له، وسحبوا اعترافهم به. ولعلَّ من أبرزهم الدكتور الظواهري، والذي ذكر ذلك في كلمته شهادة لحقن دماء المجاهدين بالشام.
2- إنَّ القاعدة لم تُستأمر، ولم تُستشرْ، قبيلَ إعلانِ قيامِ دولةِ العراقِ الإسلاميةِ.
3- إنَّ تنظيم الدَّولة لم يكن مطيعاً لتنظيم القاعدة مستجيبًا لأوامره، فلم يستأذنها في إعلان التمدُّد لبلاد الشام، ولم يرضخ لطلبات قيادة تنظيم القاعدة المستمرة ببطلان ذلك التمدد.
4 -أبو بكر البغدادي شخص لا تعرفه قيادات القاعدة، وهو مجهول بالنسبة إليها، وقد طالبت القاعدة تنظيم الدَّولة بالتعريف به مراراً فيما مضى.
5- مخالفة تنظيم الدَّولة للقاعدة في الأمور السياسية والعسكرية، على الرغم من تكرار الرسائل في هذا الشأن.
6- رفض تنظيم الدَّولة تأسيس محاكم مستقلة في الأحداث الأخيرة في سوريا، رغم مطالبات تنظيم القاعدة العديدة بذلك، وهذا هو موقف جميع قيادات التيار الجهادي، مثل: أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة الفلسطيني، وغيرهم. كما أنَّ عامة مشايخ التيار وقيادات الجماعة التابعة له في مختلف البلدان لم توافق التنظيم على سياساته وتصرفاته، بدءاً من إعلان الخلافة، إلى الموقف من الجماعات الجهادية الأخرى، وغير ذلك، ولم يَبْقَ قيادي من قيادات السلفية الجهادية موافقًا لهم في ذلك.(([5]
        وأخيراً صدر – كما صرَّح الدكتور أيمن الظواهري- بيان من القيادة العامة للقاعدة، تؤكد فيه أنها لا صلة لها بجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، مبيناً هذا القرار اتخذ لأمرين اثنين:
الأول: هو الاختلاف بين منهجين: فمنهج القاعدة هو التركيز على قتال أمريكا وحلفائها الصليبين والصهاينة وعملائهم الخونة، وتحريض المسلمين على جهادهم وترك المعارك الجانبية، مع الاحتياط في الدماء، وتجنب العمليات التي قد تسفك فيها الدماء بغير حق في الأسواق والمساجد والأحياء السكنية، بل وبين الجماعات المجاهدة.
    والثاني: فهو عدم التزام جماعة الدولة بأصول العمل الجماعي. ومن ذلك: إعلان دول دون استئذان، بل ولا إخطار، حيث كان التوجيه من القيادة العامة لتنظيم القاعدة ألاَّ تعلن أي وجود علني للقاعدة في الشام، وكان هذا الأمر محلَّ اتفاقٍ حتى مع جماعة الدولة في العراق، وقد فوجئت قيادة تنظيم القاعدة في إعلان  قيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام" الذي وفَّر للنظام السوري ولأمريكا فرصة كانوا يتمنونها، ثمَّ جعل عوامّ أهل الشام يتساءلون ما لهذه القاعدة تجلب الكوارث علينا؟، ألا يكفينا نظام بشَّار، هل يريدون أن يجلبوا علينا أمريكا أيضا.(([6]
  وتنظيم القاعدة يتَّهم جماعة الدَّولة بما يلي:
1- المبالغة في التكفير، وعدم أهليته لتنزيل الأحكام الشرعية موضعها، وأنَّ الشرعيين الذين يقودونه حدثاء الأسنان، لا يفقهون تنزيل كفر النوع على العين، سواء في حق المسلمين من أهل السنة، أو من أصحاب المذاهب الأخرى.
2- تتهمه بأنَّه يكفِّر عمليَّاً مخالفيه من التنظيمات الجهادية الأخرى بسبب الاختلاف معهم، ويستهين بالدماء، ويبالغ في قتل كُلِّ من خالفه من المسلمين.
3- ترى أنَّ البغدادي أعلن الخلافة من دون تمكين، وبالتالي كل بيعة أُعطيت للبغدادي لاسيما من بعض التيارات الجهادية هي باطلة، ولا صحة لها.
4- مفارقة تنظيم الدَّولة استراتيجية القاعدة بعدم السيطرة مطلقاً على الأراضي أو إعلان الخلافة، حيث أعلنت الدَّولة تحوُّلها إلى الخلافة في يوليو 2014م.
وجماعة الدَّولة الإسلامية تتهم تنظيم القاعدة بما يلي:
1- قبول الظواهري عمليًّا بالديمقراطية التي هي كفر بواح، وإقراره للثورات العربية ونهجها السلمي في التغيير، بزعم نهج الإخوان.
2- وقـوف الظواهري إلى جاـنب "الطاغوت" الـرئيس المصري محمـد مـرسي -بعد دخوله السجن- الذي قبل بالديمقراطية، وعدم تكفيره له، بل شكر الظواهري للرئيس مرسي عندما أعلن الأخير عن عزمه العمل لاستعادة الشيخ عمر عبد الرحمن من سجون أميركا، كما أن القاعدة بقيادة الظواهري – كما تزعم الدَّولة- لا تكفِّر كُبَراء الإخوان وهم شَرٌّ من العلمانيين حسب زعم تنظيم الدولة.
3- تلبُّس القاعدة بمذهب الإرجاء والجهمية، أي: إنَّها لا تكفِّر من وجب تكفيره من المسلمين الذين اقترفوا أعمالاً تخرجهم من الدين.
4- استعمل تنظيم الدولة وصف" السرورية" في معرض ذمِّه للقاعدة، أي: أنَّها أصبحت تشبه تيار محمد سرور زين العابدين الذي جمع بين العمل السياسي ومشروعيته وفق المنطق الإخواني، إضافة إلى خصالهم في التعامل مع المخالف، ويلتزمون المنهج السلفي في الاعتقاد، وهذه "المذمة" بهذا الوصف للقاعدة يُقصد بها اشتغال الأخيرة بالسياسة والسلمية أكثر من الجهاد.(([7]

[1]- بيان بشأن علاقة جماعة قاعدة الجهاد بجماعة الدَّولة الإسلامية في العراق والشام،(https://ia802706.us.archive.org/26/items/Dwahari/9.pdf).
[2]- حلّ "القاعدة"...انتصار للبغدادي أم تكتيك جديد للظواهري؟ صحيفة الحياة اللبنانية، الأحد 12 أبريل/نيسان 2015م.
[3]- صحيح البخاري رقم 6442  كتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت.
[4]- موقف تنظيم "القاعدة" بجزيرة العرب من خلافة "البغدادي": موقع الدرر الشامية، الجمعة 28 محرم 1436هـ-21 نوفمبر 2014م، (http://eldorar.com/node/63968).
[5]- شبهات تنظيم الدَّولة الإسلامية وأنصاره.. والرد عليها: الدكتور عماد خيتي، المكتب العلمي بهيئة الشام الإسلامية، الطبعة الأولى 1436هـ/2015م، ص 23-24.
[6]- نقلاً عن لقاء موقع مؤسسة السحاب بالشيخ: أيمن الظواهري بعنوان (الواقع بين الألم والأمل). موقع مؤسسة السحاب، وموقع شبكة أنا المسلم للحوار الإسلامي.

[7]- تنظيم الدَّولة الإسلامية: النشأة، التأثير، المستقبل" الجذور الأيديولوجية لتنظيم الدَّولة الإسلامية": شفيق شقير، باحث متخصص في المشرق العربي والحركات الإسلامية، مركز الجزيرة للدراسات، http://studies.aljazeera.net.
[8]- الدكتور الشيخ عبد الله بن محمد بن سليمان المحيسني، متخصص في الفقه الإسلامي وداعية سعودي الجنسية، وهو ابن القارئ المشهور الشيخ محمد المحسيني. سافر لسوريا وعمل بين صفوف المجاهدين، وقد عايش سلوك داعش على الأراضي السورية.
[9]- انظر بيان الدكتور الشيخ عبد الله المحيسني الذي تضمن مبادرة الأمة بعنوان "ألا قد بلغت" شبكة الرحمة الإسلامية.
[10]- حوار الشيخ عبد الله المحيسني مع جماعة الدولة، وانظر بيان عبد الله المحيسني الذي تضمن مبادرة الأمة بعنوان "ألا قد بلغت" شبكة الرحمة الإسلامية.


أ. د صالح حسين الرقب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق