الاثنين، 23 يوليو 2018

تاريخ داعش : هل داعش شرعية في منظور المجاهدين.

أولا: الخليفة البغدادي ودولته لم تحقق مهام الخليفة:

  ذكر العلاَّمة أبو الحسن علي بن محمد الماوردي مهام الخليفة في الدولة الإسلامية، وحدَّدها في نقاط عشر، فقال الماوردي: "والذي يلزمه من الأمور العامة عشرة أشياء:

 أحدها: حفظ الدين على أصوله المستقرة، وما أجمع عليه سلف الأمة، فإنَّ نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه أوضح له الحجة، وبيَّن له الصواب وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروساً من خلل والأمة ممنوعة من زلل.
والثاني: تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين، وقطع الخصام بين المتنازعين حتى تعم النصف، فلا يتعدى ظالم ولا يضعف مظلوم.
والثالث: حماية البيضة والذبِّ عن الحريم ليتصرف الناس في المعايش، وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال.
والرابع: إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك.
والخامس: تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا تظفر الأعداء بغرة ينتهكون فيها محرما أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دما.
والسادس: جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة ليقام بحق الله تعالى في إظهاره على الدين كله.
والسابع: جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا واجتهادا من غير خوف ولا عسف.
والثامن: تقدير العطايا وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقتير ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير.
 والتاسع: استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من الأعمال ويكله إليهم من الأموال، لتكون الأعمال بالكفاءة مضبوطة والأموال بالأمناء محفوظة.
والعاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال؛ لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة، ولا يعول على التفويض تشاغلا بلذة أو عبادة، فقد يخون الأمين، ويغش الناصح، وقد قال الله تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)".([2])
      ومن خلال دراسة واقع دولة داعش وما يعانيه السكان فيها، ومشاهدة أفعال مقاتليها وسلوكهم، وتطبيق داعش للحدود الشرعية، ومواقفها تجاه التنظيمات التي تقاتل النظام السوري، يتبين أنَّها لم تقم بالمهام الرئيسة للخلافة الإسلامية، وأن الخليفة البغدادي لم يحقق شيئاً من مهام الخليفة المسلم في الدولة الإسلامية. وبيان ذلك:-
1- حفظ الدين: لم يحافظوا على الدين وقد كفروا عباد الله، وحكموا بالردة على من يخالفهم، ويجاهر بعدم بيعة خليفتهم، وشوهوا الجهاد والغاية منه، وأعطوا صورة سيئة عن محاسن الإسلام وعدالته، ونشروا المغالاة في الدين، وصار شعاراً له بسوء تصرفاتهم.
2- منع الظلم والعسف: إنَّ مظالم دولة  داعش فاقت كل الحدود، فقتلاهم بالآلاف، ومشردوهم بمئات الآلاف، فكم حرمة انتهكوها، وكم مال اغتصبوه، ولم نسمع أنهم ألفوا بين متخاصمين ومتنازعين، بل رأيناهم سبب الخصومة والنزاع في كل مكان حلوا فيه.
3- حماية البيضة: في كل يوم نسمع هروبهم من منطقة ما، وتركوا أهل السنة الذين عزلوهم من السلاح، وتركوا حريمهم نهبة للروافض والنصيرية، وهم يتنقلون من منطقة إلى منطقة أخرى، تاركين رعاياهم خلفهم يقاسوا أبشع أنواع العذاب، وما يستطيع المرء السفر وهو آمن على نفسه.
4- إقامة الحدود:  لم تطبق جماعة داعش الحدود على وجهها الشرعي، وإنَّما غروا الناس ببعض العقوبات التي يطبقونها، والتي لا تطبَّق على أتباعهم إلا من تمرَّد عليهم، فيتخلصوا منه بحجة إقامة الحدود، وللمرء أن يتساءل أين قضاتكم!؟ وأين محاضر تحقيقاتكم!؟ وأين الأدلة والبراهين!؟ فكل ما نشاهده أناس مصلوبة، يضعون في أعناقهم لافتات بجرائمهم المزعومة، والتي تقتصر على محاربة جماعة الدولة أو الاختلال بالأمن، وكل من أرادوا قتله لبسوا عليه قضية، فالتهمة جائزة، ولابد أن يقرَّ بها المسكين، وهو يرى من التعذيب ما يكون الموت عليه أهون، ومن ثمَّ طبقوا الحدود بزعمهم على المجاهدين! ونتساءل لماذا العراق والولايات الأخرى لدولتكم لا نرى فيها مصلوبين!؟ ولا نرى تطبيق للحدود إلا في أرض الشام، ولماذا تعطيل الحدود في الولايات الأخرى!؟.([3])
5- تحصين الثغور وجهاد الأعداء: قد سحبوا السلاح من أهل الثغور، وطعنوا في ظهور المرابطين، فقتلوا من قتلوا، ولم يقبلوا برباط أحد وجهاده حتى يبايع، ولا بد أن نعلم أن ما يشاع من جهاد ورباط للدولة في بعض المناطق هو في الحقيقة لأبناء المناطق، ولكتائبها السابقة في الجهاد، الذين أجْبروا على البيعة حفاظاً على أهليهم وأعراضهم ومناطقهم.
6- جباية الفيء وتوزيع العطايا: إنَّ جماعة الدولة سلبت الناس أموالهم وبيوتهم وسرقت أموال الأمة، واستأثرت بها على قياداتها وشهواتها، تشتري به الذمم، وقد أفرغوا الصوامع والمعامل وباعوها، في الوقت الذي يعاني فيه الناس من الجوع، ولم يكتفوا بذلك بل فرضوا من الضرائب والمكوس والعقوبات المالية ما يثقل كاهل الناس.
7- تقليد الأمناء والنصحاء: لم تترك جماعة الدولة مجرماً ولا حشاشاً ولا متهماً، أو مجرماً من أصحاب السوابق والردة والعمالة إلاَّ ونصَّبوه، وأسمائهم معروفة مشهورة، وكل يوم تعاقب الدولة أحد رجالاتها بتهمة الردة، والعمالة، والاختلاس.
8- مباشرة أمور الناس: إنَّ قيادات جماعة الدولة مشغولون بأنفسهم، وقد سلَّطوا على النَّاس السفهاء، والأحداث صغار السن، ممَّن لا علم لديهم بأحكام الشرع، ولا بفقه سياسة الناس، لذا تصدر عنهم بين الفينة والأخرى تصرفات خاطئة مسيئة للشرع، ومثال ذلك أنَّ أحد شرعيي داعش - أبو عبد الله الكويتي - أفتى بردة عشيرة الشعيطات المسلمة، ممَّا أدى إلى قتل أكثر من ألف مسلم سني، وقد ثبت أنَّ هذا الشرعي عميل لوكالة المخابرات الأمريكية "CIA لذا قاموا بقتله بعد أن حكموا بردته وخيانته.([4])

ثانياً: التسرع في إعلان الخلافة وقيامها:

    إنَّ إعلان الخلافة لا يكون بهذه الطريقة المتسرعة، والتي تخلو من أيِّ مقوِّم من مقومات الخلافة، وبيان ذلك:-
 -1أنَّ البلاد ما زالت محتلة، وهي في حال حرب، وليس فيها تَمًكُّنٌ لقيام دولة إسلامية، فضلاً عن خلافة جامعة للمسلمين.
-2 انعقاد الحكم لشخصٍ له ضوابطه وشروطه، ولا بد فيه من توافق أهل الحل والعقد وعموم الناس، وهذا أمر معروف مبسوط في كتب أهل العلم، وأشهر من أنْ يُتحدَّث به، نذكره هنا باختصار: فقد روى الخلال أنَّ أحمد بن حنبل رحمه الله: "سئل عن حديث النبي)مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً(([5])، ما معناه؟ قال أبو عبد الله: "تدري ما الإمام؟ الإمام الذي يجمع المسلمون عليه، كلهم يقول: هذا إمام، فهذا معناه". وقال النووي رحمه الله": الأصحّ أنَّ الْمُعتَبر بيعة أهل الحل والعقد من العلماء، والرؤساء، وسائر وجوه الناس، الذين يتيسّرُ حضورهُمْ، ولا يشترط اتفاق أهل الحل والعقد في سائر البلاد والأصقاع".([6])
        وقال ابن تيمية: "فإنَّه لا يشترط في الخلافة إلاَّ اتفاق أهل الشوكة والجمهور، الذين يقام بهم الأمر؛ بحيث يمكنُ أنْ تُقامَ بهم مقاصد الإمامة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالجماعة؛ فإن يدَ الله معَ الجماعة".([7]) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد".([8])
     أمَّا هذا التنظيم فإنَّه لم يوافق إلا عددٌ قليل من الناس على قيام دولته في العراق، ثمَّ على تمدُّدها إلى سوريا، ثم إعلان الخلافة، وليس في دولته المزعومة أدنى مقومات الاستشارة، أو مقومات الدولة الحقيقية، وبيان ذلك: أنَّ التنظيم يعتقد أنَّه يصح إقامة الدولة دون وجود أي من مكوناتها الحقيقية، وعلى هذا أعلن دولته قبل الخلافة، وقد لخَّص عثمان بن أحمد التميمي في رسالته (إعلام الأنام بمياد دولة الإسلامية( الصادرة عن وزارة الهيئات الشرعية في دولة العراق الإسلامية بقوله: "إن الدولة التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحملُ كلَّ المواصفات التي ينظر لها على أنَّها من خصائص الدولة المعاصرة، بكياناتها السياسية والإدارية والاقتصادية، فالدولة التي ينشدها الإسلام هي تلك التي تقيم الدِّيْن أولاً قبل أي اعتبار آخر".([9])
       وبهذا يتبيَّن أنَّ جماعة الدولة قد هدمت كل أركان الدولة الحقيقية، ولم يبق منها إلا التوحيد، وتحكيم الشريعة وفق مفهومها هي، وعليه فيمكن لأي عددٍ من الأشخاص في أي مكان في العالم إعلان دولةٍ خاصةٍ بهم!
 -4ينبغي عدم الاغترار بالشعارات واللافتات المرفوعة الخالية من المضمون، فالخلافة إنَّما يعقدها من كان يسير على منهاج النبوة، وليس من كان يسير على منهاج الخوارج المارقين، وقد تكرر من المنحرفين فكريا إعلان الخلافة مرارًا في التاريخ الإسلامي، فلا غرابة في ذلك".([10])


[1]- الدولة الإسلامية بين الحقيقة والوهم: أبو عبد الله محمد المنصور ص 6.

[2]- الأحكام السلطانية والولايات الدينية: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي، دار الكتب العلمية، سنة النشر 1405هـ- 1985م، مكان النشر بيروت ص 16-17.

[3]- وقد بينت سوء تطبيقهم للحدود الشرعية تحت عنوان: "تطبيق داعش للحدود إساءة للشرع وتنفير من الدين" ص 116-120 في هذه الدراسة.


[4]- العلامات الفارقة في كشف دين المارقة - بحث تأصيلي يكشف حقيقة جماعة الدولة شرعًا وواقعًا-: للشيخ الدكتور مظهر الويس – بتصرف بسيط- ص 170-172.
[5]- حديث صحيح، أخرجه أحمد 4/96 عن أسود بن عامر، والطبراني 19/769. وحسنه الألباني في ظلال الجنة: 1057، صحيح موارد الظمآن: 1288، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: صحيح.
[6]- روضة الطالبين وعمدة المفتين: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان، الطبعة الثالثة، 1412هـ-1991م، 10/43.
[7]- الحديث رواه الترمذي 3/316، كتاب الفتن، باب في لزوم الجماعة، ولفظه: "يد الله مع الجماعة. والحديث في "صحيح الجامع الصغير" 6/336، وقال السيوطي إنه في الترمذي عن ابن عباس وصححه الألباني.
[8]- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية: أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الأولى، 1406هـ- 1986م، والحديث رواه الترمذي 3/315، كتاب الفتن، باب في لزوم الجماعة. قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب".
[9]- إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام: أعدت بإشراف عثمان بن عبد الرحمن التميمي، مسئول الهيئة الشرعية، مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي، ص 9-10.
[10]- شُبهات تنظيم الدولة الإسلامية ، وأنصاره والرَّد عليها، إعداد د. عماد الدين خيتي، المكتب العلمي بهيئة الشام الإسلامية ص 88-91.
[11]- شبكة أنا المسلم للحوار الإسلامي 
[12]- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، دار الكتاب العربي – بيروت- الطبعة الرابعة، 1405م، 5/281. نقاش هادئ حول فكر (دولة الإسلام في العراق والشام) (4) موقف تنظيم (الدولة) من إقامة الدولة: محتسب الشام.

أ. د صالح حسين الرقب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق