لعنة الشعوب
ما
أغربها وما اشدها تأتي في لحظات استثنائية ’ عاصفة جياشة لا تنطفئ الا إذا أشبعت
حاجياتها وانتقمت من ظالميها و ان قمعت
جائت مضاعفة في المرة الموالية .
ما أشد لعنة الشعوب و الجماهير , ثورة كانت او
انتفاضة لا فرق , على مدى قرون و عند أغلب الشعوب قرأنا عن الثورات السياسية
والإنقلابات العسكرية , و بما أن هذا مرتبط أشد الإرتباط بمدى وعي الجماهير , فإن
أول ما ظهر بالمعنى الحداثي ظهر في أوربا إبتداءا
من القرن السابع عشر بالخصوص , حيث نذكر الثورة الفرنسية و البريطانيا و
الثورة في بلجيكا و ثورة ماوتستونك في الصين , و ثورة البلاشفة في روسيا سنة
1917...
كل
هذه الثورات و غيرها تميزت بكونها جاءت تطبيقا للثورة الفكرية و العلمية وبعد
الإصلاح الديني في أوربا , و تميزت تلك الثورات بوقوف الجماهير وراء نخب سياسية مثقفة من متزعمي الفكر التنويري .
و في ظرف ثلاث قرون تقريبا إنقلبت حياة اوربا
رأسا على عقب , أعطت للعالم دروسا في
تاريخية مهمة , فاستنتجت الشعوب أن معيار التقدم و التطور هو التحرر من قيود
ملوكها و زعمائها الديكتاتوريين و أنظمتها
الفاسدة .
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية إستغلت بعض
الدول الأسيوية بالخصوص تلك الحقبة التاريخية أثناء فترات الحرب الباردة لتقود
نفسها بنفسها و تجد لنفسها مخرجا من ظلمة و عتمة الإستعمار والاستغلال , في ما
بقيت بعض دول العالم الثالث خصوصا الدول العربية ودول إفريقيا الشمالية بين أيدي
من حديد , حكومات و أنظمة جائرة متجبرة في الحكم , و لم تجد معها الشعوب إلا
الخضوع و عيش حياة الشعوب الأوربية قبل القرن السادس عشر .
من خلال ما سبق , لا
أريد أن اسرد عليك التاريخ , و إنما رأيت أنه من الضروري لفهم أكثر أن نجعل أنفسنا
في السياق .
فعلا هذه الشعوب لابد أن يأتي
دورها رغم أنني لست متفقا حرفيا مع بعض المستشرقين القائلين أنه على هذه الشعوب أن
تعيد شريط أوربا بالتمام إن ارادت التخلص من غفوتها وكسر جمودها .
دورها يعني أن تستيقض من سباتها و إن
كنت سأقول بأنها تأخرت كثيرا و ضيعت عنها سنوات طوال بل إن هناك شعوب ستضيع سنوات أطول .
إن ما ميز انتفاضات و ثورات كل من
تونس و مصر و إني لأتنبأ لكل من الجزائر و اليمن و أغلب الشعوب بنفس المصير , هو
أن هذه الثورات لم تحركها تلك النخب التي كنا ننتظر و لم تحركها أحزاب معارضة أو
أي جهة سياسية أخرى بل صاحت الأم قبل الجميع (ما أشد صياح الأم و هنا أذكر نساء
بلغراد في ثورة فبراير قي روسيا)و صاحت الفئات معها ثم فاضت الشوارع , و بدأ الحدث
... هنا أقول هنا تفوقت و تميزت هذه الثورات على ثورات أوربا بالتحديد في القرون
الماضية كون تلك حانت النخب في الأمام و الجماهير في الخلف و أما هذه فإن الجماهير تزعمت والنخب تابعت من خلف فقط .
هناك ثلاث نقط أساسية أريد الحديث عنها و هي :
أولا : شروط إندلاع الثورة ,
إن انعدام حرية التعبير أو لا علمية ولا مشروعية الحكم و أسباب اخرى كثيرة و ان
كانت جد محركة للفئة المثقفة . فإن ذلك لا يكفي إالا إذا وصلت الأزمة الى لب كل
أسرة , إلا إذا بدأ الحديث يدور داخل الأسر أنذاك انتظر الحدث , و الا يمكن أن
يؤثر في الأسر إلا إن سلك احدى السبل الثلاث , 1- الإقتصاد ( غلاء الأسعار –
البطالة ....) أو الأمن (تفشي السرقة إلى حدود الحروب الأهلية .3- الدين , حيث بما
أن تحس الجماهير بأن النظام يمس معتقدها لا تنتظر منها المكوث .
إن هذه النقط لا أعممها على كل الشعوب ولكن
أحصرها فقط في دول العالم الثالث لان دول
العالم المتقدمة , الشريحة فيها تحتلف تماما فيمكن أن تثور الجماهير فقط لأن
الإنتخابات مشكوك فيها , أو لأن نوع النظام تم تجاوزه و ليس ديموقراطي , حتى وإن
قدم نتائج مقبولة .
ثانيا : تخص بعض المحركات الخفية للثورة ,
إنه غالبا أن الأنظمة الكبرى والمجاورة لنظام الدولة له تأثير كبير إما على بقائه
أو التخلص منه , ومعيار كل منهما هو
المصلحة هنا أذكر موقف كل من أمريكا و الإتحاد الاوربي من معارضة الشارع الإيراني
للنتائج الإنتخابات الأخيرة و كذا موقفهما من الرئيس الإيراني و أقارن كل ذلك بموقفهما من الثورة التونسية و
كذا من زين العبدين ين علي و صديقه حسني مبارك . فعلا الشريطين مختلفين تماما
لماذا ؟ أليس الشعوب كلها متساوية لما ترفع أصوات الغرب ضد أحمدي نجاد الذي إختاره
الشعب (لا أدافع عن إيران) و لا ترفع الأصوات ضد جبابرة الحكم الذين عاشوا فوق
كرسي الحكم ولعقود طويلة . كل ذلك يتطابق مع ال مقولة التالية , الغرب : **أنا مع
الشعب حتى أحصل على زعيم يناسبني و مع الزعيم مادام الشعي لا يناسبني** ثالثا : نتائج هذه الثوراث . من
الغباء جدا أن يؤمن أحدنا تمام الإيمان بأن في نهاية هذه الثورات فلاح و نعيم بل
إن دواليب السلط و لوبيات السياسة الداخلية والخارجية ستعمل كل ما في وسعها
لإستغلال الظرفية كي تزين ثوبها للشعب حتى تمسك
بزمام الأمور ثم تتجبر فتعيد الشعب الى نقطة الصفر بعد ما إمتصت ثورته أو تكتفي هذه الشعوب بحلول ترقيعية جاهزة غبية
, كما عرضها السيد حسني مبارك ( الرب الأعلى ) .
محمد أيت الحافظ
نشر بجريدة الأسبوع الاعلامي :العدد 39 - فبراير 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق